ابراهيم كمال شيخ اسلاميي المغرب الذي توفي ولم يجد علبة دواء

الكاتب : الجريدة24

13 أغسطس 2019 - 01:30
الخط :

ادريس هاني

توفي أمس الاثنين يوم عيد الاضحى الشيخ إبراهيم كمال المعتبر الرجل الثاني المؤسس لحركة الشبيبة الإسلامية المحظورة، والذي قضى فترة في السجن بتهمة المسؤولية في التخطيط لاغتيال المناضل الاتحادي عمر بنجلون.

بلغني  خبر احتضاره وكان متوقّعا وفاته اليوم.

خلال هذه الأيام كان الشيخ إبراهيم كمال يعاني من المرض ولم يتلق العناية حتى من قبل المقربين منه بالشكل المطلوب. كان إبراهيم كمال في مبتدئ تجربته نقابيا اتحاديا ثم سرعان ما حصل خلاف أيديولوجي داخل الاتحاد والتحق بالشيخ عبد الكريم مطيع رجل الشبيبة الأول ومؤسسها.

وحينما قُتل عمر بنجلون من قبل شباب أنذاك حمّل الإثنان معا مسؤولية التخطيط لاغتيال بنجلون، فغادرا معا البلاد لكن الشيخ كمال رفض البقاء في المنفى وحين عاد تمّ القبض عليه بالتهمة إياها.

بعد سنوات من قضاء عقوبة السجن - 2012 - حصل لقاء حضره الشيخ إبراهيم وأيضا اليازغي القيادي في الاتحاد بمعية عدد من قادة الأحزاب، ولازال الشيخ كمال متشبثا ببراءته فيما يؤكد ذلك المنفّذون أنفسهم باعتبارهم لم يأخذوا برأي أحد، فيما عبر مرة مصطفى خزّار في حفل تكريم الراحل عن أسفه متوجها إلى الشيخ إبراهيم بالقول: إسمح لنا، لقد ورطناك معنا، كما حكى أمامي مرة المنفذ الفعلي للاغتيال سعد متوجها إلى الشيخ إبراهيم بالقول: أشهد أنّه كان يحذرنا من أي فعل عنفي.

العنف كان يسكن في أحشاء شباب مندفع إلى أقصى الحدود، يكاد هذا الاعتراف يتكرر وبحضور المجموعة المتورطة بمن فيهم محمد مستقيم الذي توفيّ مؤخّرا أيضا، وسبق للفقيه البصري الذي كان جارا للشيخ إبراهيم أن دعاه لحضور مؤتمر الحوار القومي-الإسلامي في بيروت.

ولا زال ملف اغتيال عمر بنجلون يشكل حدثا كبيرا أثر على منحنى اليسار والإسلاميين معا وشكل عقدة أوقفت الزمان الأيديولوجي، ولا زالت مثل سائر الألغاز يشوبها ما يشوبها.

غير أنّ ما أستطيع قوله حتى الآن وما بدا لي من خلال ما باحت به المجموعة المتورطة في الاغتيال وجملة القرائن المحفوفة هو أنّ العملية قام بها شباب مندفع جدّا ومشحون إلى أقصى ما يمكن ويعتبرون أنفسهم قد أنجزوا عملا شرعيّا.

وتفاصيل الحادثة أيضا تؤكد أمورا كثيرة، لكن ربما اليوم بعد ظهور هذا الوعي بشكل جماعي مع جماعة التطرف يؤكد على أنّ مثل هذه الأعمال لا تحتاج إلى إذن من القيادة بل وضعية الشبيبة كانت مفتوحة وغير مغلقة على نظام حديدي يضمن التزام أبنائها.

وهناك من يتهم جهات أخرى ومنهم الراحل عبد الكريم الخطيب ويعطي للمسألة بعدا سياسيا أكبر، لا أريد الإطناب في هذا الملف الآن.

يبقى هذا الملف في حاجة إلى مزيد من الفهم والاستيعاب غير أنّ ما يهم هنا هو أنّ الشيخ إبراهيم وهو تقريبا الرجل الثاني في الشبيبة حتى آخر العمر وهو يجد صعوبة في شراء الدّواء، هذا في حين كان حزب العدالة والتنمية الذي استغلّ خروج الشيخ مطيع وضعف الشيخ إبراهيم ليكتسب شهادة حسن السلوك ويقدم نفسه كنقيض وصاحب مراجعات، يموت قيادي مؤسس وهو لا يجد علبة دواء بينما آخر عناقيد حركته على رأس حكومة ويحصلون على أقصى الامتيازات.

هؤلاء ليسوا فقط لم يقدموا خدمات حقيقية للشعب ولم يفوا بوعودهم أمام الناخب بل لم يكن لهم وفاء حتى لآبائهم المؤسسين لحركتهم التي بها كانوا شيئا مذكورا.

رحم الله الشيخ إبراهيم، حيث وفاته فضحت وفاء الخلف الذين تنكروا للآباء، وتركوه لضعفه تحيط به ثعالب تسعى بالليل والنهار لاستصدار شهادة زور على شرعيات حمقاء، في نهاية عمره كان وضعه في غاية الضعف.

آخر مرة رأيته فيها بالرباط على عجل، وسبق وألقيت كلمة في حفل تكريمي له طرحت فيها مسألة إمكانية استبدال السلفية الوطنية بالسلفية الدخيلة -أقصد الوهابية - لا سيما وقد كان الراحل من رفاق بلعربي العلوي وبوشتى الجامعي، وهي الفكرة التي تلقفها الكثير من خبراء "كوكوت مينوت" ونسبوها لأنفسهم كما هي عادتهم المنكرة، وفي ذلك التكريم تحرّش بي بطريقة غير مباشرة شيخ حقير من الدراع الدعوي للحزب الذي يقود الحكومة بقلة ذوق أمام الجمهور وفي مقام تكريم رجل وأطلق العنان لنزعته الطائفية حتى كاد الدم يفور وبدأت أفكر في صعود المنبر لطرحه أرضا، وكنت على وشك أن أجعل سافلها عاليها لأنّ الشويخ السعدان الإرهابي لا يعرف الجانب الانقلابي في شخصيتي لولا أن أشار إليّ الشيخ كمال بعينيه بعدم الاهتمام، لأدرك بعد ذلك أنّ الأمر يتعلق بمؤامرة شارك فيها شيطان كان ولا زال يتزلف زورا للشيخ كمال، وعلى كل فالشيئ بالشيء يذكر، لم يكن لدي درع أهديه له في ذلك التكريم سوى عطر رفيع وخاتم نفيس ورزمة من كتبي قال لي أحدهم لم يفتحها حتى الآن، ربما هناك من أكثر من إخافته وإرعابه حتى أنه كان يخشى مع أنه كان يسرّ لي بأنّه ضدّ كل المواقف التكفيرية والطائفية ولكن حين يكون بعيدا عن بعض أصحاب السوابق الذين لهم خمسون وجها وقناعا، فكنت أتفهّم وضعه، والله أعلم.

استمعت كثيرا للراحل وبعضا من تلك الحقائق تجدونها في بعض فصول كتابي: سراق الله، بينما ثمة حقائق أخرى ظهر لي أنها نتيجة تسامح مع بعض المصادر وسوء تدبير منّي قائم على ثقتي في بعض السرديات المدبرة على سبيل تصفية الحساب، وسوف أتدارك بعضا منها وأضعها في سياقها الصحيح، فهذا ما يفرضه التحقيق أن تدور مدار الحقيقة حيثما دارت وتجعل التاريخ مهمة دائمة ونشاطا مستمرا، فالبحث لدينا لا يتوقف ولا يختزل ولا يقف عند عقبة الأهواء والميول، التاريخ يكتب باستمرار، والموضوعية شيء ننتجه باستمرار، وعلى كلّ فإن لكل مقام مقال ولكل حديث أيضا مقام.
كنا أيضا على وشك زيارته البارحة كموقف إنساني بعد سماع خبر احتضاره لولا تعذر ذلك لأسباب ليس فقط العيد واحدا منها.

لديّ وجهة نظر تفصيلية وموقف ربما سلبي من عدد من الأمور ليس هنا مقامه وأكتفي بالعزاء لرحيل مؤسس ثاني من رفاق مطيع الذين أسسوا حركة ومرّوا مرور الكرام بينما آخر عناقيد هذه الحركة يرأس حكومة ويحال على معاش رفيع، ولله في خلقه شؤون، العزاء لعائلة رجل من قدماء أسرة التعليم ، وإنا لله وإنا إليه راجعون

آخر الأخبار