تخبط الإسلاميين بين دعم هاجر الريسوني والدفاع عن قوانين متجاوزة

الكاتب : الجريدة24

11 سبتمبر 2019 - 09:40
الخط :

الياس كرامي

يبدو أن بعض دعاة فتح الحوار مع التيار الإسلامي "من أجل بناء جبهة لمواجهة الاستبداد"، يجب أن يعيدوا حساباتهم السياسية، -هذا طبعا إن كانوا مستقلين في قراراتهم-، لأن هذا التيار بالمغرب بمختلف تلاوينه لا يظهر أن له الاستعداد للتخلي عن مواقفه المناهضة للحريات الفردية.

وهو ما يجعل أي تنسيق بين تيار يساري – ليبرالي مع حركات الإسلام السياسي بمختلف تلاوينها، هدفه سياسي لحظي أكثر منه تنسيق يبتغي الوصول إلى هدف استراتيجي يتمثل في الدفاع عن الديمقراطية في شموليتها.

هذا التنسيق السياسي اللحظي لا يتعدى أن يكون تقاطعا مشتركا بين ثلاثة أطراف كبرى (يسار + ليبراليين + إسلاميين) حول معارضة الدولة، وهكذا تتحول كل المحاكمات بقدرة قادر حتى وإن تعلقت بقضايا لا تهم الصحافة والنشر أو بالمجال السياسي، إلى مجرد "تصفية حسابات" للأقلام الحرة والنزيهة وذات المصداقية.

وإذا كان من إيجابية لمحاكمة الزميلة الصحافية هاجر الريسوني، هو أنها فضحت موقف أنصار التيار الإسلامي من القضايا ذات العلاقة بالحريات الفردية.

هذه المرة اختاروا "تكتيكا" مغايرا، فعوض الرفض المطلق كما جرت العادة من طرفهم لمبدأ الحرية كما هي متعارف عليها كونيا أي التعبير عن موقفهم بشكل صريح وواضح لا لبس فيه، لجأوا إلى أسلوب جديد وهو اتهام الحركة النسائية والحقوقية باستغلال حدث اعتقال الزميلة هاجر الريسوني من أجل تمرير مواقفها بشأن الحريات الفردية، والحال أن هذه الحركة أبانت عن مجهود استثنائي ودعم منقطع النظير لصالح هاجر الريسوني وطالبت بإطلاق سراحها، وبصمت على حضور لافت في الوقفة الاحتجاجية التي جرى تنظيمها أول أمس الاثنين أمام المحكمة الابتدائية بالرباط.

وهكذا تابعنا على سبيل المثال، تدوينة لقيادي في جماعة العدل والإحسان يصف فيها الحركة الحقوقية المساندة لهاجر الريسوني ب"الانتهازية" ويتهمها بتوظيف محن الناس بهدف تحقيق مكاسب إيديولوجية !!!، وأخرى يهاجم فيها الداعين إلى تقنين الإجهاض تزامنا مع وقفة هاجر الريسوني.

والواقع أن هذا الهجوم يحمل صبغة نفسية أكثر منها سياسية، لأن تنظيمه الإسلامي لم يجد موطئ قدم في حملة التضامن مع هاجر الريسوني ووجد أعضاء جماعته أنفسهم معزولين عن حركية خلقتها الحركة الحقوقية والنسائية عبر شبكات التواصل الاجتماعي وعبر البيانات وجمع التوقيعات وفي الواقع من خلال تنظيم وقفة احتجاجية.

وجاز طرح عدد من الأسئلة على القيادي المشار اليه: هل لجماعتك الأصولية أن تعبر عن وجهة نظرها بشكل واضح بشأن حذف تجريم الحريات الفردية من القانون الجنائي سواء بالسلب أو بالإيجاب؟

الجواب، هو أن الجماعة لا تستطيع إلى ذلك سبيلا، لأن بنيتها الاجتماعية والمستقطبين إلى صفوفها تربوا على خطاب معين يعادي في جوهره "قدسية الحريات"، ومن جهة ثانية تتفادى التعبير عن موقفها الحقيقي درء لفقدان بضعة أشخاص من مسانديها المعدودين على رؤوس الأصابع ما سيزيد من عزلتها.

لماذا لم تصدر الجماعة أي بلاغ في الموضوع، وهو الذي استرعى انتباه عشرات الفاعلين والجمعيات الحقوقية بل وحتى مؤسسات رسمية والمقصود هنا المجلس الوطني لحقوق الإنسان؟ ثم لماذا غاب قياديو الجماعية عن وقفة التضامن مع الزميلة هاجر الريسوني حينما حضر فاعلون حقوقيون من مختلف الأطياف؟ نعتقد ربما أن من كان غائبا لحظة التعبير عن التضامن لقضية يقول إنه يؤمن بها، لا يجدر به من باب اللياقة على الأقل أن ينتقد الذي كان حاضرا بشكل قوي فقط لأنه لا يشاركه نفس المواقف، ويـبحث عن مصوغات ومبررات من أجل إطلاق النار عليه إعلاميا من جهة ومن جهة ثانية لتفادي التعبير عن الموقف الواضح.

ولم يكن من الغريب أن يعبر بلال التليدي في مقال عن موقف مشابه، وذلك بتركيزه على الإشكاليات المتعلقة بمساطر الاعتقال، متهما الحركة النسائية بمحاولة الركوب على حدث اعتقال الريسوني من أجل تمرير مواقفها بشأن الحريات الفردية والإجهاض.

والواقع أن هذا هو الموقف الذي تحركه الاعتبارات الإيديولوجية والسياسوية الضيقة، إذ عوض أن يعبر التليدي عن موقفه بشكل صريح اختار مهاجمة الطرف الذي دعم وتضامن بقوة مع هاجر الريسوني، وهنا لا يسعنا سوى طرح نفس السؤال على بلال التليدي: ما هو موقفك من التهم التي تتابع بها الزميلة هاجر الريسوني؟ نتمنى أن تتحلى بالشجاعة اللازمة من أجل التعبير عن تصور واضح خارج العبارات الفضفاضة.

ولعل ما أثار التيار الإسلامي أيضا وجعله ينتقد موقف الجمعيات النسائية المتضامنة مع الريسوني، هو أن الضغط الذي عبرت عليه دفع المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى التعبير عن موقف مطمئن لدعم الرأي العام لتوصياته بشأن القانون الجنائي وتقنين الإجهاض "التي تتوخى حماية الحريات الفردية والحياة الخاصة، مع احترام المقتضيات الدستورية المتعلقة بضمان الحقوق والحريات الأساسية، خاصة منها الفقرة الأولى من الفصل 24 والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب".

والملاحظ أن التيار الإسلامي ليس وحده من يحاول "تهريب" النقاش إلى فضاءات خارج مجال الحريات الفردية التي تعد أصل المتابعة القضائية للزميلة هاجر الريسوني، وإنما حتى التحالف القائم بين نسيج ليبرالي ويساري وإسلامي، الذي يجري التنسيق بين أطرافه والتعبير عن مواقفه في بلاغات الدفاع بـ"الرضا" الكامل.

هذا التيار وحفاظا على توازنات معينة، يحاول ما أمكن تهريب النقاش إلى نقط أبعد من إشكاليات متعلقة بالحريات الفردية، وإلى اعتبار "اعتقال هاجر الريسوني يعد استهدافا لقلمها ولمواقفها وللجريدة التي تشتغل فيها" !!!، وهي مواقف الغرض منها الضغط على مؤسسات الدولة خدمة لمصالح مجموعة معينة داخل تيار سياسي إسلامي معين من جهة ومن جهة ثانية الضغط في تجاه ربط ملف هاجر الريسوني بملف توفيق بوعشرين الذي كابد أبناء هذا "التحالف" الغريب الأمرين من أجل تحويل قضيته إلى ملف حرية الرأي والتعبير، لكنهم فشلوا في استقطاب الرأي العام إلى جانبهم.

وإذا كان ملف هاجر الريسوني قد اتخذ منعرجات غير صحية للجميع، دولة ومجتمعا وحقوقيين ومؤسسات، لأنه يمس بقضية تتعلق بالحريات الفردية المحمية بموجب التشريعات الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان، فلأن البعض أراد أن يحوله عن سكته ويخرجه من دائرة ملف يناقش عبر مستويين: مدى احترام المساطر أثناء عملية الاعتقال وتناقض المقتضيات القانونية التي تتابع بها هاجر الريسوني مع القانون الدولي.

هذا التحالف يريد أن يجد لتوفيق بوعشرين منفذا جديدا من أجل تحويل محاكمته إلى محاكمة سياسية، واستغلال قضية هاجر الريسوني من أجل الضغط على مؤسسات الدولة لتحقيق أهداف سياسية، عوض الاهتمام بما يمكن أن يفيد موقعها في القضية قانونيا وحقوقيا، وهو ما عبر عليه أحد الزملاء بقوله إن "أخبار اليوم تتضامن مع نفسها أكثر من تضامنها مع هاجر الريسوني"..

آخر الأخبار