واقع الصناعة السينمائية بورزازات

الكاتب : الجريدة24

13 نوفمبر 2019 - 08:00
الخط :

عبد الحكيم المرابط

يرتبط اسم ورزازات بصناعة السينما. و بفضل كبار المخرجين و المنتجين، وصل الإقليم إلى العالمية. لقد صارت مؤهلاته الطبيعية تؤثت مشاهد أشهر الأفلام، و أصبحت مؤسساته السينمائية أفضل من أي وقت مضى.

آلة السفر عبر الزمن

تنتصب تماثيل آلهة مصر القديمة شامخة عند مدخل أقدم الأستوديوهات السينمائية و أكبرها. أما في الداخل، فيقف الزائر مذهولا أمام عراقة الحضارات الإنسانية الكونية، من خلال دور هذه المعلمة السينمائية البارزة، في إعادة تركيب أجزاء التاريخ ببراعة.

الفضاء شاسع تملؤه ديكورات أفلام تتردد أسماؤها على منصات الأوسكار، و يضم معامل لمهن السينما؛ هو عبارة عن قطعة فنية ضخمة يبصم عليها عمالقة الفن السابع، من كل بقاع العالم.

فرانك رودام، أليخاندرو كونزاليز، ألكسندر آجا، مارتن سكورسيزي و آخرون؛ و كثير هم المخرجين الذين استقطبتهم ورزازات بمقراتها السينمائية المؤهلة و أستوديوهاتها الطبيعية الأكبر و الأفسح في العالم. هذا جزء من حديث مرشد سياحي، وصل إلى مسامعنا.

كان يقود وفدا من الزوار الأجانب، و قد استقر بهم بمحاذاة ديكور سينمائي، يجسد قصبة من القرن التاسع عشر، بكل تفاصيلها الهندسية و الجمالية؛ لكن الخلفية تكشف خدع السينما، و تظهر مهارات الحرفيين المغاربة من نجارين و جباسين و حدادين و صباغين.

"إنهم يصنعون واجهات منمقة بشكل معقد"، تقول فاطمة، امرأة في الخمسينات من عمرها، و هي زائرة من الدار البيضاء، كانت بمعية شابتين لا تتوقفان، حينها، عن التقاط الصور و تسجيل مقاطع الفيديو.

و أنت تكتشف هذا الإرث السينمائي، تهيمن عليك فكرة السفر عبر الزمن إلى حقبة فراعنة النيل، أو فترة "كوندون" في قصر حاكم التبت، و قد تقف عند الغزو الأمريكي للعراق، ثم تعرج على حكاية أكبر هروب من السجن في العالم. تلك تلميحات عن أفلام ذائعة الصيت، شكلت معظم أجزائها داخل هذا المكان، و في الفضاءات المجاورة للمدينة.

من أفلام العصور الغابرة إلى أفلام الآكشن، لا زال أطلس يشكل ورشا مهما في الإبداع السينمائي، و مكانا ملائما لتخليد الإنتاجات المميزة و تكريم روادها.

مهد جوائز الأوسكار

في يونيو عام 1962، حط المخرج البريطاني، دافيد لين، الرحال بورزازات قصد تصوير فيلمه "لورانس العرب".. أبدع لين، حينها، مستثمرا طبيعة ورزازات السحرية و شمسها الساطعة. لقد منحه الإقليم كل ما كان يحتاجه لمحاكاة بيئة الجزيرة العربية إبان الصراع العثماني البريطاني في المنطقة. و في المحصلة، تربع "لورانس العرب" على قائمة الأوسكار لأفضل فيلم في دورة 1963.

إلى جانب دافيد لين، يعد المخرج الأمريكي ريدلي سكوت "صديقا وفيا" لورزازات السينمائية. هنا أنتج سكوت فيلم "المصارع" عام 1999، و هنا تفتقت عبقريته في تجسيد روما القديمة: كنيستها و ساحتها الرئيسة، موكب القيصر و الجيش العرمرم. و هنا وجد المخرج كل شيء تقريبا لصناعة "المصارع"، الأيقونة التي يعرفها العالم، و المتوج بجائزة أفضل فيلم في أوسكار عام 2000.

في عام 1983، وضع الحجر الأساس لبناء أستوديو سينمائي على أرض كانت تابعة لجماعة تماسينت السلالية.. انتهت الأشغال، و بدأ المشروع في استقبال صناع السينما الكبار.

في 1985، تم تصوير فيلم "جوهرة النيل" للمنتج الأمريكي ميكاييل دوغلاس، و ما زالت طائرته جاثمة داخل الأوستوديو، و كذلك هو الحال بالنسبة لسفينة​ "كليوباترا" للمخرج الإنجليزي فرانك رودام.

من ناحية أخرى، فحظور الإنتاج السينمائي الأجنبي بورزازات يعود إلى فترة الحماية الفرنسية، و إن كانت هنالك آراء تفيد وجود إنتاحات أخرى، غير موثقة بالشكل الكافي، منذ 1897.

أستوديو طبيعي غير محدود

غير بعيد عن أطلس، تشتغل وحدتان للإنتاج السينمائي، بينما تتواجد وحدة أخرى بواحة فينت، على بعد 15 كيلمتر جنوب ورزازات.

و توفر واحات الإقليم فضاءات أخرى لتصوير مشاهد مهمة من أفلام عالمية، و بخاصة الأفلام التاريخية.

و من وجهة نظر الحسين أزيو، فاعل جمعوي، فإن واحة فينت تتفرد بموقعها الجغرافي القريب من المدينة، حيث تتمركز شركات الإنتاج الكبرى. و تفرض الواحة تواجدها في قائمة الاختيارات لدى كبار المخرجين، بفضل مؤهلاتها الطبيعية و مواردها البشرية المدربة.

"واحة نخيل و جبال و هضاب و رقوق شبه صحراوية، مياه منسابة و محميات لشتى أنواع الكائنات الحية، تلك خصائص تتميز بها الواحة"، يقول الحسين.

الصناعة السينمائية من الناحية الثقافية

يتحدث سعيد سوسو، مهتم بشؤون السينما، عن واحة فينت و قصبة تيفولتوت و قصر آيت بن حدو، مبرزا دور الإنتاج السينمائي العالمي في الترويج لهذه المناطق كوجهات سياحية.

و في ناحية أخرى، يضيف سوسو أنه إلى جانب الرواج الاقتصادي الموسمي، يوفر الإنتاج السينمائي لورزازات إرثا ثقافيا يتجاوز حدود الأوستوديوهات و متحف السينما. و "يجب استثمار هذا الإرث بجدية، و ذلك من خلال نشر ثقافة السينما في المجتمع و دعم السينمائين الشباب، و توفير عروض الفن السابع لفائدة الساكنة، و صيانة العشرات من المآثر السينمائية المهمشة"، يختم سعيد حديثه داعيا إلى تشكيل إطار جمعوي في هذا الصدد.

من جهته، يذكر الزبير بوحوت، الباحث في شؤون السياحة و السينما، بمبادرات لدعم السينمائيين الشباب من طرف مجلس الجهة السابقة عبر صندوق "مبادرة سوس ماسة درعة"، ما مكن من استفادة مقاولات صغرى. "كما يدعم المركز السينمائي المغربي تظاهرات سينمائية-ثقافية محلية"، يقول بوحوث مشيرا إلى دور المجالس المنتخبة في دعم الأنشطة السينمائية-الثقافة، ما دام السينمائيون يؤدون واجباتهم الضريبية و يساهمون في تحريك عجلات الاقتصاد المحلي.

و تجدر الإشارة إلى أن المخرج الأمريكي المعروف، تيرانس ماليك، حل بورزازات مؤخرا، قصد تصوير عمل جديد بعنوان "الكوكب الآخر". و يدور الفيلم حول حياة السيد المسيح عليه السلام، و يجمع ثلة من ألمع الممثلين و على رأسهم جيزا روريگ و مارك ريلانس.

آخر الأخبار