مسؤول بالنيابة العامة: الإبتزاز الجنسي عبر الأنترنت لم يعد نشاطا إجراميا فرديا

الكاتب : الجريدة24

05 ديسمبر 2019 - 04:00
الخط :

قال عبد الرحمان اللمتوني، رئيس شعبة تتبع القضايا الجنائية الخاصة برئاسة النيابة العامة، ان المفاهيم القانونية تعرف تحولات كبيرة نتيجة الثورة التكنولوجية الهائلة، إذ بعدما كنا نتحدث عن البريد والطابع البريدي كرمز من رموز سيادة الدولة أصبح لكل منا بريده الإلكتروني الذي لا يحتاج إلى جهة مركزية وسيطة لإبلاغ رسائله.

وبعدما كانت النقود وسيلة الدفع الوحيدة المعترف بها رسميا، أصبحنا اليوم نعاين حالات الدفع وتحويل الأموال بواسطة عملات إفتراضية أو مشفرة، وبعدما كان مفهوم الحق في الخصوصية محصورا في مجالات محددة محمية دستوريا وقانونيا على رأسها حرمة المنزل وسرية المراسلات، أدى التطور التكنولوجي إلى تحول كبير في هذا المفهوم إذ أصبح الإنسان مهدد في خصوصيته أينما حل وارتحل، حتى وإن كان داخل منزله نتيجة ما أصبحت تتيحه التكنولوجيا من سهولة الإتصال بالناس وإقتحام خصوصيتهم والإطلاع على أسرارهم وأمورهم الحميمية.

وأوضح في كلمة القاها صباح اليوم الخميس بمعهد الشرطة بالقنيطرة  في اليوم الدراسي حول محاربة الإبتزاز الجنسي، انه من المظاهر السلبية لهذه التحولات أن طفت على السطح بعض الظواهر التي تمثل الجانب السلبي للتكنولوجيا ومن بينها الإبتزاز الجنسي عبر الأنترنت، الذي يبقى إحدى الظواهر الإجرامية الخطيرة التي انتشرت بشكل ملفت في الآونة الأخيرة بالنظر إلى تصاعد نسبة هذه الجرائم وما تخلفه من أضرار بليغة تلحق الضحايا وأسرهم، إذ أبانت حالات هذه الجريمة أن الضحية يتعرض لأضرار نفسية بليغة. فضلا عن الأضرار ذات الطابع الاجتماعي التي قد تؤدي في كثير من الأحيان إلى تدمير العلاقات الزوجية والعلاقات الأسرية عموما.

كما أن آثار هذه الظاهرة تجاوزت الحدود الوطنية وأصبح لها ضحايا خارج أرض الوطن.

ولم تعد نشاطا إجراميا فرديا معزولا وإنما أضحت ترتكب في بعض الحالات من قبل مجموعة من الأشخاص في إطار منظم يتم فيه تقاسم الأدوار بين الجناة، بحيث يتولى بعضهم إستدراج الضحية ويتولى البعض الآخر عملية الإبتزاز، في حين يتكلف آخرون بتلقي المبالغ المالية المتحصل عليها من نشاط الإبتزاز.

ومما يزيد من مخاطر هذه الجريمة، أنها ترتبط بعوامل إجتماعية وثقافية، تجعل الضحية تخضع بسهولة للإبتزاز وتتردد في تبليغ السلطات، خوفا من الفضيحة أو من الإنتقام خاصة عندما يكون الضحايا قصر، وليست لهم خبرة كافية في الحياة لمواجهة إغراءات وضغوط وتهديدات المجرمين في هذا النوع من الإجرام.

رغم أن الإطار القانوني المؤطر لهذا النوع من الأفعال متوفر، حيث تقبل الأفعال أكثر من وصف قانوني، إذ تكيف بجرائم الحصول على مبالغ مالية بواسطة التهديد بإفشاء أو نسبة أمور شائنة، النصب، الدخول إلى نظام المعالجة الآلية للمعطيات عن طريق الإحتيال، إلتقاط وبث وتركيب صور شخص دون موافقته، المس بالحياة الخاصة للأفراد، واستغلال أطفال في مواد إباحية.

ورغم أن السياسة الجنائية تتجه إلى التشديد تجاه هذا النوع من الأفعال، إذ تكون غالبية المتابعات مقرونة بإعتقال المتهمين، بالإضافة إلى صدور أحكام سالبة للحرية في هذه الجرائم، فالملاحظ أن الظاهرة مستمرة بل ويتم تسجيل مجموعة من حالات العود.

وهو ما يعني أن السياسة الجنائية مدعوة لإيلاء إهتمام أكبر لهذا الموضوع عبر تطوير وسائل المواجهة والصرامة في التعامل مع هذه الجرائم، لا سيما في حالات العود أو عند مباشرة هذه الجرائم في إطار منظم أو بإستعمال وسائل متطورة أو عندما يكون الضحية قاصر، إضافة إلى تطوير وسائل البحث والتحقيق والإستفادة مما يتيحه الدليل الإلكتروني والتعاون الدولي من إمكانيات لجمع وسائل الإثبات وتقديم الجناة للعدالة.

رغم كل هذه الجهود المبذولة على مستوى السياسة الجنائية وأجهزة البحث والتحقيق والسلطات القضائية لمكافحة هذا النوع من الجرائم، إلا أنها لا تكفي وحدها للقضاء على جذورها، بل لابد وأن تواكبها جهود أخرى على مستوى باقي السياسات العمومية وذلك بوضع سياسات إجتماعية وإقتصادية وتربوية مكملة خاصة بالمناطق التي تعرف انتشارا كبيرا لهذه الظاهرة.

آخر الأخبار