هل كانت ضربة ايران لقاعدة عسكرية أمريكة بالعراق مجرد مسرحية؟

الكاتب : وكالات

10 يناير 2020 - 02:30
الخط :

فجر يوم 8-1-2020 كان على موعد مع حدث لم تتجرأ دولة على فعله منذ الحرب العالمية الثانية ..

الساعة 2.40 دقيقة بتوقيت طهران .. فجأة و بشكل لم يتوقعه حتى الشعب الايراني .. تعلن ايران عن اطلاق عدد من الصواريخ البالستية باتجاه قواعد امريكية في العراق كرد انتقامي لمقتل سليماني .. !!!

العالم وقف مذهولاً من الخبر .. و بينما وسائل الاعلام تتناقل الخبر الصدمة .. ايران تعلن الساعة 3.50 دقيقة عن خبر صادم آخر : موجة ثانية من الصواريخ البالستية الايرانية تنطلق باتجاه القواعد الامريكية في العراق .. !!!

بعدها .. يترقب العالم نتائج الرد الصاروخي الايراني .. عدد القتلى الامريكيين .. تصريحات الادارة الامريكية .. لمعرفة النوايا الامريكية في الرد و حجمه .. !!!

يغرد ترامب في تويتر بعد ثلاث ساعات من الحدث : كل شيء على ما يرام .. و يؤجل الحديث حتى بيانه صباح يوم 8-1-2020 ..

بعد ساعات انقضى غبار الرد الايراني في القاعدتين الامريكيتين على "لا قتلى" بالنسبة للامريكين و هو ما يعني ان الامر لا يستدعي تصعيداً بل سيكتفون بتحقيقهم هدف التخلص من رجل يعتبرونه خطر على مصالحهم بالمنطقة .. و بالنسبة للايرانيين حصلوا على غايتهم من هذا الرد و هو الصدى الاعلامي و الاثر النفسي الكبير المطلوبين داخلياً لاسباب جماهيرية و عقائدية ..

نتيجة مرضية لترامب و خامنئي .. و مرضية لقادة الخليج .. ربما الطرف الوحيد الذي لم تعجبه النتيجة هي اسرائيل ..

بطريقة ردهم "الانتقامي" يثبت من جديد الايرانيين ذكاء عالي - سياسي و عسكري - في ادارة مواجهات حافة الهاوية و التصعيد المحسوب .. و عام 2019 حافل بمثل هذه المواجهات ..

كما في ازمة اسقاط طائرة الغلوبال هوك بلا طيار الامريكية حيث تمت تلك العملية بحيث لا تصل لمواجهة من حيث نوع الهدف و مكان اسقاطه .. و كما في تصعيدهم المحسوب في مياه الخليج ضد ناقلات النفط ..

و كما في عملية استهداف مواقع ارامكو السعودية حيث تمت بلا آثار ادانة صريحة انهم هم المهاجمين .. و ينطبق هذا الذكاء السياسي و العسكري على حلفائهم من الجماعات في لبنان و اليمن و فلسطين و العراق حيث انهم يديرون صراعات عسكرية و سياسية بظروف صعبة و معقدة بحنكة و يضطرون كثيراً لـ القيام بردود محسوبة و مضبوطة ..

تسلسل احداث الرد و تحليلها عسكرياً :

- ابلغت ايران القيادة العراقية بنيتها القيام برد ضد قواعد يتمركز فيها امريكيين دون تحديد تلك القواعد .. و سبق التحذير الرد الايراني بساعة .. و بالتأكيد ان الامريكيين تسرب اليهم خبر نية الهجوم الايراني سواء بشكل مباشر .. او من خلال اجراءات العراقيين لحماية جنودهم الموجودين في تلك القواعد ..

- بدأ الرد الايراني برشقة اولى من صواريخ "قيام" التي يتراوح مداها بين 750-800 كم .. و الغاية من البدء بها هو اعطاء زمن انذار كافي للعسكريين الامريكيين للاحتماء ..

و استخدام هذه الصواريخ يمنح زمني انذار اثنين .. الاول : من خلال كشف الاقمار الصناعية الامريكية لهذه الصواريخ اثناء نصبها تمهيداً للاطلاق ..

حيث ان صواريخ "قيام" تستخدم الوقود السائل ما يعني انها تحتاج لبضعة ساعات ليتم تعبئتها بالوقود و هي بوضعية الانتصاب .. و هذه الوضعية مع وجود عربات الوقود قرب قاذف الصاروخ مؤشر اكيد لتجهيزه للاطلاق ..

و الثاني : من خلال طريقة اطلاق صاروخ "قيام" العمودية في بداية مساره و التي تجعله سهل الكشف امام رادار الدفاع الجوي البعيدة ..

- الرشقة الثانية من الرد الايراني كان من صواريخ ذو الفقار او فاتح313 (اختلفت وسائل الاعلام الايرانية بتحديدها لتشابهها بالشكل) .. و هي صواريخ دقيقة الاصابة مطورة من صاروخ فاتح110 و لهما نفس الشكل .. و يبلغ مداهما 500 و 700 كم .. و هذه الصواريخ لا تتيح الا زمن انذار قصير .. و ذلك كونها تستخدم وقود صلب و لا تحتاج للتجهيز للاطلاق سوى لدقائق قليلة .. اضافة الى انها تتبع خط منحني بداية مسارها ما يعني زمن انذار قليل جداً خاصة و ان بصمتها الرادارية صغيرة و يصعب كشفها من مسافات بعيدة ..

- لو تم اطلاق صواريخ ذو الفقار او فاتح313 في الموجة الاولى بدل صواريخ "قيام" لسقط بالتأكيد قتلى امريكيين في القواعد المستهدفة ..

اما اطلاقها بعد صواريخ "قيام" التي تكون قد كُشفت من قبل الاقمار الصناعية الامريكية و طائرات التجسس الالكتروني اثناء تعبئتها بالوقود بدايةً ..

و حينها يكون قد تم اعطاء تحذير عن هجوم وشيك على القواعد الامريكية .. ثم عند اطلاق الصواريخ "قيام" العامودي تم اعطاء تحذير اخير بانطلاق الهجوم من قبل رادارت الكشف البعيد الامريكية و هذا الانذار يمنح دقائق قليلة و لكن كافية لمن تبقى بلا حماية للاحتماء من الهجوم .. ما يعني ان القواعد الامريكية لحظة اطلاق صواريخ ذو الفقار او فاتح313 ستكون فارغة من اي جنود لانها ستكون تلقت قبلها بساعة انذارات تحذيرية من هجوم صواريخ قيام ..

ناهيك عن ان الامريكيين كانوا تلقوا تحذيراً من قبل العراقيين كما ذكرنا اعلاه ..

و ناهيك ايضاً ان الايرانيين ابلغوا الامريكيين ببدء هجومهم كما ذكر ظريف في تصريحه (ربما حين بدء الهجوم)

وصلت الصواريخ الايرانية الـ 13 الى القواعد الامريكية المستهدفة الغير محمية ببطاريات صواريخ مضادة ..

و لكن لم يخدش اي جندي امريكي في كل هذا القصف الصاروخي .. و احدثت هذه الصواريخ دمار محدود مكّن النظام الايراني من استغلال صوره في حملاته الداخلية لتسويق دعاية انجاز الانتقام الحتمي من الشـيطان الاكبر .. مع كثيير من التبهير ..خاصة بالحديث عن مقتل 80 جندي امريكي ..

(بعصر المعلومة لا يمكن اخفاء خبر مقتل حتى جندي واحد خاصة مع دول تعتمد الشفافية امام شعوبها .. لكن الانظمة الشمولية تعتمد الدعاية الكاذبة كوسيلة لتبييض صورتها امام شعوبها) ..

خرج امس احد جنرالات الجيش الايراني ليقول صراحة ان هدف ايران لم يكن قتل جنود بل تدمير معدات .. و ان اصر على كذبة مقتل 80 امريكي .. و لكنه على الاقل قال نصف الحقيقة ..

اياً يكن .. بهذا المخرج .. لا اصابات في الجنود الامريكيين .. و بتحقيق ايران لـ الصدى الاعلامي الكبير لارضاء جمهورها .. تم تنفيس ازمة التصعيد الكبير (و ليس نهاية التصعيد) ..

و يعود ذلك لذكاء القيادة الايرانية و واقعيتها بمعرفة ما يترتب عليه سقوط قتلى امريكيين بهجوم مباشر ايراني .. و ايضاً بشكل الرد الايراني هذا حافظت امريكا على ردعها الحقيقي امام ايران .. و ان ظهرت عكس ذلك اعلامياً ..

 

آخر الأخبار