واقع العلاقات الإجتماعية في ظل جائحة كورونا

الكاتب : الجريدة24

31 مارس 2020 - 01:45
الخط :
  • هيشر ابتسام

هنا و الآن، لا نسمع إلا عن حصيلة الحالات المصابة بفايروس كورونا المستجد (كوفيد 19 ) وكذا عن حالات الوفيات التصاعدية بشكل مرعب مثير للقلق، بحيث أصبح "قلق الفقدان" فقدان الذات و فقدان الأحبة، هاجسا نفسيا مشتركا بين جميع الشرائح الإجتماعية، إنه إحساس عابر للقارات.

من جهة فهذا الفيروس اللعين قد إستثار الجانب الإنساني فينا، فظهرت مجموعة من القيم التي قاربت على الإندثار ألا وهي روح المواطنة و التضامن و التآزر و الإيثار، بحيث نشيد على المبادرات الإنسانية التي تقوم بها مختلف فعاليات المجتمع المدني وكذا بعض مؤسسات الدولة، لمساعدة الفئات الهشة و المتضررة من الأزمة الاقتاصدية التي يعرفها العالم إثرهذه الجائحة، بالإظافة إلى أننا أصبحنا اليوم مدركين تمام الإدراك أنه يجب علينا إعادة ترتيب المجتمع حسب الأنفعية، ففي عمق هذه الأزمة، إتضح لنا أن البقاء للعلم فالعلم مفتاح الفرج، حيث انتصر هذا الأخير على الفن و الرياضة وعلى باقي المجالات الأخرى، فالأجدر بتصفيقنا اليوم هم العلماء و الأطباء، الأساتذة، رجال الأمن، وعمال النظافة....

نحن اليوم ، بصدد الإنتقال إلى مجتمع جديد على المستوى الرمزي، نحاول فيه تضميد جروح جائحة كورونا و ماقبل الجائحة.

ومن جهة أخرى، وبمجرد تصفح مواقع التواصل الإجتماعي ينتابك إحساس بالغثيان، من جراء الأخبار الكاذبة و فيديوهات بعض الجهلة الذين همهم الوحيد في الحياة هو خلق "البوز"، غير آخذين بعين الإعتبار مايمكن أن تتسبب فيه تفاهاتهم، التي لاتنفك من تسليط كل أنواع الأذى على المواطن المغربي المتردد على هذه المواقع، وناهيك عمى يقع في الأسواق التقليدية و المتاجرمن فعل "اللهطة"، وكذا التجمهر في الطرقات كما وقع في سلا و طنجة وتطوان، متمردين بهذا الفعل على قانون الطوارئ الصحية و مستهترين بذلك بصحة المواطنين، وغير واعيين بخطورة الفيروس اللعين الذي أطاح بأقوى الأنظمة الصحية العالمية، مخلفا وراءه الدمار والذي لازال يوسع دائرة مقبرته زاحفا إلى كل بقاع العالم، غير مستثني لا فقيرا و لا غنيا ولا متعلما و لا جاهلا.

إن علاقاتنا الإجتماعية هي بدورها تأثرت إثر هذه الأزمة التي يمر منها العالم، ففعل "اللهطة" لا يمكن أن نمر عليه مرور الكرام دون قراءته قراءة سوسيولوجية ، "فاللهطة" كنوع من الأنانية التي يمكن اعتبارها "كرغبة غريزية في البقاء" ، فهي تستدعي القتال بشتى الوسائل المتاحة للحفاظ على الوجود الرمزي و المادي للأنا، حتى أننا أضحينا ندرك بأن الوجود في حد ذاته بات يخضع لمنطق فلسفي ساد بنية الفكر في فترة التحولات الكونية العميقة، ويتسق مع معطى "البقاء للأقوى" في "نظرية النشوء و الإرتقاء الداروينية".

إن بؤر الصراع الإجتماعي استفحلت في محيطنا الضيق و المنفتح، حيث لم يعد هناك قيمة لأي حدود ذات أبعاد إجتماعية و دينية و ثقافية....، بتنا نعيش في دوامة من العنف المرئي و اللامرئي و انتهاكات للخصوصية الذاتية (للأفراد و الجماعات )، عبر استغلال الفئات الهشة من خلال تقديم مساعدة لا تتعدى قيمتها عدة دراهم، مقابل الحط من كرامتهم بالتقاط بعض الصورونشرها في مواقع التواصل الإجتماعي والتشهير بفقرهم وحاجتهم ، إن كانت تعبر هذه الصورعن شيئ ، فهي تعبر عن تشيئ الإنسان واستعماله كوسيلة لتحقيق غاية ما في نفس يعقوب.

لم نعد نسمع في الآونة الأخيرة سوى صوت "الأنا المتضخم"، فقد تحدثت معظم الأبحاث و الدراسات المختصة بالعلاقات الإنسانية، أن من أهم الوسائل لتطوير العلاقات الإجتماعية هو الشعور بالطرف الآخرمن خلال استشعار مايريده و تفهم إحتياجاته.

إننا أصبحنا نعيش في ظل مجتمع لم تعد تمثل القبيلة واقعه و لايمثله الإقليم ولا تحده المدينة، إنها حالة صراع المجتمع مع نفسه، مايعنيه هذا أن العلاقات الإجتماعية في أفقها الضيق و المنفتح، أصبحت تتلاشى في ظل أزمة الثقة التي عقبت جائحة كورونا، وكذا أزمة الحوار وتباين القيم المجتمعية التي كانت تشكل هويتنا كمغاربة.

-       فإلى أي حد يمكن الحديث عن ضعف العلاقات الإجتماعية في المجتمع المغربي في ظل هذه الجائحة التي يعرفها العالم؟

*أخصائية في العلوم السجنية و العلاج السلوكي و باحثة في السوسيولوجيا.

آخر الأخبار