لهذه الأسباب حزب أخنوش لن يتصدر انتخابات 2021

الكاتب : الجريدة24

28 يناير 2019 - 12:00
الخط :

ما من شك في أن قيادة "التجمع الوطني للأحرار" تضع نصب عينيها الفوز في الانتخابات التشريعية المقبلة لسنة 2021، وفي أن يترأس زعيم الحزب الحكومة المقبلة. خلاصة لا تحتاج إلى الاعتماد على العديد من المؤشرات من أجل تأكيدها، يكفي فقط متابعة تصريحات قادة الحزب في الإعلام والتجمعات الجماهيرية التي يعقدها. لكن الطريق إلى هذا الهدف، غير مفروشة بالورود وتكتنفها العديد من الإشكاليات والصعوبات، الغير مرتبطة فقط بمنافسة حزب "العدالة والتنمية" الذي لم يفقد دعم كل قواعده، وإنما حتى بمنافسة تيارات سياسية أخرى، تحذوها نفس الرغبة.

التجمع بين المعارضة والحكومة

كان واضحا من طريقة قيادة "التجمع الوطني للأحرار" بعد انتخاب عزيز أخنوش رئيسا للحزب، لمفاوضات تشكيل الحكومة بعد انتخابات 2016، أن لحزب "الحمامة" رغبة في لعب أدوار طلائعية داخل المشهد السياسي، وعدم الاكتفاء بدور "الحزب المكمل" للأغلبيات الحكومية.

لقد تمكن الحزب من فرض شروطه على حزب "العدالة والتنمية" الحاصل على المرتبة الأولى، رغم أنه لم يحصل سوى على 37 مقعدا في الاستحقاقات التشريعية، مدعوما بكل من أحزاب الاتحاد الدستوري (19 مقعدا) والحركة الشعبية (27 مقعدا) والاتحاد الاشتراكي (20 مقعدا). واستطاع أن تشكل الأغلبية بناء على تصوره ولاسيما في مطلبيه القاضيين بإدخال "الاتحاد الاشتراكي" للأغلبية الحكومية واستبعاد حزب "الاستقلال" منها.

وبناء على هذه المعطيات التي رافقت تشكيل الحكومة، لم يعد حزب "الحمامة" مجرد هيئة سياسية مشاركة في الحكومة ببعض الوزراء، وإنما أصبح رئيسه يشغل موقع "رئيس حكومة BIS". ولم يمر على تشكيل الحكومة بعد إعفاء عبد الإله بن كيران وتعويضه بسعد الدين العثماني سوى بضعة أشهر، حتى انطلق الحزب الأزرق في حملة تواصلية جند لها وسائل الإعلام المملوكة لرئيسه وشبكات التواصل الاجتماعي. ودشن حملة استقطاب واسعة في صفوف رجال الأعمال وأعيان الانتخابات.

بالموازاة مع هذه الحملة وقع تحول في خطاب الحزب مستغلا الفراغ الحاصل على مستوى المعارضة، إذ أصبح مشاركا في القرار الحكومي وفي نفس الوقت يتخذ مسافة من الائتلاف الحكومي ولاسيما في العلاقة مع حزب "العدالة والتنمية". ولم يعد يتوانى في انتقاد التيار الإسلامي الذي يترأس الحكومة.

ولعل آخر مواقف التجمع في هذه الشأن تحميله للحكومة مسؤولية قرار "الفوترة" الخاصة بالتجار في قانون المالية، إذ حمل عزيز أخنوش الحكومة مسؤولية عدم الاستشارة مع التجار في الإجراءات القديمة، وفي إجراءات 2018 التي دخلت حيّز النفاذ في 2019. لقد أصبح حزب "الحمامة" بناء على هذا التموقع السياسي الجديد، يحتل موقعا في الحكومة وفي الآن نفسه يلعب دور المعارضة.

وقبل حوالي سنة ختم الحزب لقاءاته الجهوية، بالإعلان عن المعالم الكبرى لملامح العرض السياسي التي عنونها في كتاب "مسار الثقة" للنهوض بقطاعات التشغيل والتعليم والصحة، التي قال الحزب إنها هي المدخل الأول للبرنامج التنموي الجديد الذي دعا الملك محمد إلى المساهمة في بلورته. نحن إذن أمام برنامج انتخابي قبل الأوان يقترحه "التجمع الوطني للأحرار" على المواطنين من أجل التصويت عليه في الانتخابات التشريعية المقبلة.

بالإضافة إلى كل ما سبق، يستعد الحزب بقيادة عزيز أخنوش إلى إطلاق خطة إعلامية مدروسة، بالاعتماد على خبراء مغاربة وأجانب في المجال الإعلامي والرقمي، استعدادا للانتخابات التشريعية المقبلة ولانتقاد منافسه حزب "العدالة والتنمية"، أو من يعتقد أخنوش أنه منافس لحزبه. لكن السؤال المطروح: هل هناك إمكانية حقيقية فعلا أمام حزب   "الحمامة الزرقاء" من أجل تحقيق هدفه؟

حواجز في طريق الحمامة الزرقاء

لعل من البديهي القول إن مهمة حزب عزيز أخنوش لن تكون سهلة من أجل الوصول إلى ما يصبو إليه من أهداف، بالنظر إلى أن مهمة تصدر الانتخابات في أي بلد هي عملية صعبة ومعقدة. لكن هذا لا يمنع من تحديد بعض الصعوبات التي تعترض طريق حزب "الحمامة الزرقاء".

أولا: يجب الأخذ بعين الاعتبار للعبة الأرقام وتحليلها، فهي الطريقة الرئيسية التي تمكننا من قراءة قوة كل تيار سياسي على الميدان. حزب "التجمع الوطني للأحرار" ظل دائما منذ انتخابات 1997 محافظا عل معدل مقاعد يتأرجح بين 40 و50 مقعدا. ففي الانتخابات التي جاءت عقد دستور 1996 حصل التجمع على 46 مقعدا، وفي انتخابات 2002 حصد 41 مقعدا، وفي انتخابات 2007 39 برلمانيا في مجلس النواب. أما في انتخابات 2011 السابقة لأوانها والتي تم فيها تقديم الحزب باعتباره منافسا على المرتبة الأولى ومدعوما بتحالف G8 فإنه لم يحصل سوى على المرتبة الثالثة بما مجموعه 52 مقعدا.

إن هذه النتائج تبين أن الحزب استطاع الحفاظ على تموقعه الانتخابي وكتلته الثابتة، رغم مشاركته في كل الحكومات تقريبا (باستثناء حكومة بن كيران في صيغتها الأولى قبل انسحاب حزب الاستقلال). فكيف له اليوم الحصول على مقاعد إضافية تقدر بحوالي أربعين مقعدا على الأقل من أجل تصدر المشهد السياسي؟

ثانيا:   الجواب عن السؤال السابق، يكمن في المجهودات التي بذلها حزب "التجمع" من أجل استقطاب ما يسمى بأعيان الانتخابات إلى صفوفه. هؤلاء يمكن أن يوفروا له خزانا انتخابيا إضافيا خارج كتلته المصوتة عليه تقليديا في كل انتخابات. وهو مضطر إلى استقدامهم من أحزاب أخرى، لعل أبرزها حزب "الأصالة والمعاصرة"، الذي اعتمد عليهم في الانتخابات التشريعية السابقة. هذه العملية لن تكون سهلة، لاسيما إذا اعتبرنا أن حزب "البام" لم يتخلى عن حلمه السابق في قيادة الحكومة منذ تأسيسه سنة 2008.

ثالثا: حزب "التجمع الوطني للأحرار" لا يواجه فقط الآلة الانتخابية القوية لحزب "العدالة والتنمية" فقط، وإنما أحزابا أخرى لم تظهر بعد على الواجهة، لاسيما وأن تاريخ الاستحقاقات التشريعية في المغرب منذ 2002 لم يخلو أبدا من المفاجآت على هذا المستوى.

صحيح أن "البيجيدي" عرف العديد من التصدعات بفعل ما اعتمل داخل أجهزته من صراعات بين جناحي العثماني وبن كيران، لكن هذا لا يمنع من القول إنه مازال محافظا على كتلته الانتخابية الثابتة منذ انتخابات 2002 التشريعية، والتي تتوفر لديه بفعل العمل الذي يقوم به جناحه الدعوي ممثلا في حركة "الإصلاح والتوحيد"  وشبكة جمعيات قوية ومنظمة.

كما لا تجدر أبدا الاستهانة بدور محتمل وقوي لحزب "الاستقلال" بقيادة نزار بركة الذي يشتغل في صمت، ويرمم ما لحق به من فترة قيادة حميد شباط للحزب. حزب "الميزان" يتوفر أولا على شبكة عائلات وأعيان قوية ظلت مرتبطة بالحزب سواء في الحكومة أو المعارضة وموزعة على جهات المملكة. كما أنه يضم في صفوفه أطرا على قدر كبير من الأهلية وممثلا أساسا في رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين، التي تشرف عمليا على المشروع الاقتصادي والاجتماعي الانتخابي للحزب.

ولا يبدو أيضا أن حزب "الأصالة والمعاصرة" قد وضع السلاح بشكل نهائي، إذ نافس بقوة على صدارة انتخابات 2016، ولولا آلة بن كيران التواصلية الجبارة لتمكن الحزب مدعوما بشبكة منتخبين وأعيان عريضة من الحصول على المرتبة الأولى. هذه الشبكة لا يمكن أن يفرط فيها الحزب بسهولة لصالح "التجمع الوطني للأحرار"، لاسيما إذا عاد إلياس العماري الممسك بخيوطها فعليا إلى لعب دور في حزب "الجرار" بعد التصدعات التي يعرفها على عهد أمينه العام الحالي.

رابعا: المتتبع للخطاب السياسي لحزب "التجمع الوطني للأحرار" منذ انتخابات 2016، يلاحظ أنه لم يخرج عن إطار "الخطاب التقنوقراطي" المرتبط بتدبير السياسات العمومية على المستوى الآني وليس الاستراتيجي (وثيقة مسار الثقة نموذجا)، أكثر منه خطابا لحزب سياسي يملك تصورا إجماليا يمتد إلى ما هو إيديولوجي في العلاقة بقضايا الهوية وإشكالية ارتباط السياسة بالدين..

لقد تمكن حزب "البام" مثلا في إطار صراعه مع "البيجيدي" أن ينقل الصراع ولو جزئيا مـن تدبير السياسات العمومية إلى ساحة الصراع الإيديولوجي (حداثة ومحافظة). في حين أن حزب "التجمع الوطني للأحرار" لم يستطع بناء خطاب سياسي يناقض تصور "البيجيدي" للحريات الفردية وقيم الحداثة وإشكاليات الهوية. لهذا الأمر أهمية وليس ترفا أبدا بالنظر إلى أنها مفتاح استقطاب أصوات تنتمي إلى الطبقة المتوسطة تبحث عن قوة سياسية مناهضة للتصور الإيديولوجي لحزب "العدالة والتنمية".

خامسا: اعتماد "التجمع الوطني للأحرار " لخطاب سياسي "جاف" يعتمد كليا على منطق التدبير، سيجعل خططه الإعلامية المستقبلية في الواجهات الرقمية على الخصوص، فاقدة للنجاعة اللازمة وإن اعتمدت على خبراء وطنيين ودوليين في المجال الإعلامي وشبكات التواصل الاجتماعي. لأن العملية التواصلية في عالم السياسة لا تقتصر فقط على الإلمام بتقنيات التواصل وخوارزميات الفيسبوك وإنما بالإلمام التام والكلي بالفئة المستهدفة (الناخبين) وبكيفية إقناعها بخطاب سياسي معين، بمعنى أن الإشكال لا يمكن في كيفية نقل الخطاب (الوسائل) وإنما ماهية الخطاب في حد ذاته.

هذا مع العلم أن الاعتماد على خبراء في التواصل السياسي ليست لهم دراية ولا تجربة بالشكل الكافي بكيفية عمل التنظيمات الحزبية والهيئات السياسية، سيجعلهم يتعاملون مع الأمر وكأنه عملية إشهارية لمنتوج تجاري لا غير ، وهذا ما لا يستقيم في السياسة، وتصبح معه كل خطة إعلامية مرتقبة عديمة الفائدة، وفي أول امتحان يكون مصيرها السقوط المدوي.

آخر الأخبار