العقل المدبر لأحداث 16 ماي بالدار البيضاء !

الكاتب : الجريدة24

29 أكتوبر 2020 - 03:00
الخط :

قضت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء الأسبوع الماضي بالاعدام في حق سعيد منصور الذي تم ترحيله من الدانمارك، بعد ورود اسمه في محضر محمد دمير احد العناصر التي تمت إدانتها بالإعدام في ملف يوسف فكري.

حكم الإعدام الأخير يفسر قضائيا ان منصور يعد الحلقة المفقودة في تفجيرات 16 ماي التي هزت العاصمة الاقتصادية سنة 2003 والتي خلفت  قتلى وجرحى.

محضر الاستماع الى محمد دمير الذي يعد الوثيقة الرسمية الوحيدة عن أحداث 16 ماي يقدم منصور بصفته المسؤول الرئيسي عن الأفكار التي تبنتها المجموعة الانتحارية بحكم المنشورات التي كان يزود بها أعضاء المجموعة حيث يتولى دمير تلقيها من المصدر مباشرة وهو سعيد منصور، وبعدها يقوم دمير بترجمتها الى نماذج عملية  من مثل أعمال الفيئ.

وبالتالي فان كل ما صدر عن مجموعة دمير او المجموعة الانتحارية التي تزعمها الانتحاري الذي فجر نفسه بفندق فرح عبد المالك بوزكارن، مصدرها وموجهها الرئيسي هو سعيد منصور الذي كان يرف على هذه العمليات من الدنمارك مكان إقامته مستفيدا من مناخ الحرية هناك.

كيف  نشئت علاقة محمد دمير عضو مجموعة يوسف فكري وسعيد منصور الأب الروحي للسلفية الجهادية؟

محمد دمير الذي أدين في يوليوز 2003، بعقوبة الإعدام، بسبب انتمائه إلى خلية يوسف فكري، المحكوم أيضا بالإعدام، على خلفية تهم جنائية ثقيلة، والذي سبق أن أدين من أجلها مجموعة من المتهمين في إطار "جماعة التكفير والهجرة"، إثر تكوين عصابة إجرامية والقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، ومحاولته، والضرب والجرح بالسلاح الأبيض والاختطاف والاحتجاز والسرقات الموصوفة والتزوير في وثائق إدارية واستعمالها وإتلاف وثائق إدارية وبنكية وإخفاء جثة والتمثيل بها وإضرام النار عمدا وتزوير صفائح السيارات وعدم التبليغ.

فمن يكون محمد دمير؟

يدعو أبو الحارث أبو عمار، ولد بالبيضاء من أب كان يعمل قيد حياته سائق "طاكسي" كبير وأم كاتبة بالبنك التجاري، انقطع عن الدراسة في السلك الثانوي ليلتحق بإحدى المدارس الخاصة لدراسة الرسم على اعتبار أن له موهبة في الخط والرسم، ليشتغل فيما بعد عند رجل من جنسية تونسية بشركة المنسوجات بدرب غلف بطلب من والدته، ويختار فيما بعد الاشتغال في مجال التجارة الحرة عقب تسريحه من الشركة جراء أزمة مالية، بموازاة ذلك كان يقضي معظم وقته بالرياضة وفي مساعدة أستاذ للرياضة في تدريب رياضة الأيكيدو دون مقابل بحكم حصوله على الحزام الأسود.

مسار هذا الرجل سيتحول بالتدريج بعد تشبعه رفقة كل من الحسين البرغاشي ورشيد أشتوك بالأفكار الجهادية التي كانت تلقن باللقاءات الدينية التي كانت تعقد بفيلا المحامي أحمد الفيلالي، القاطن بحي "بلفدير" وكان يحضرها أيضا صهر المحامي وشخص أخر يدعى مصطفى من ليبيا ومواطن جزائري يدعى أبو يوسف ملقب بموسى وأبو بلال ذو الأصل الجزائري أيضا بالإضافة إلى شخص أخر يدعى جواد كان يعمل بالسويد .

أصدقاء دمير كانوا يقطنون بالسويد ويتشبعون بفكرة الجهاد ويقومون هناك بسلب ممتلكات " الكفار" واستحلالها للمسلمين، وكان يترأس هذه الاجتماعات شخص أخر من جنسية جزائرية يدعى أبو القعقاع عز الدين، والتي يتم فيها الاستماع للأشرطة الدينية التي يأتون بها من أوروبا وأغلبها للداعية عمر عبد الرحمان وأبو همام، والتي تحث على الجهاد في سبيل الله بالنفس والمال، وتومن بتكفير الأجهزة الرسمية للدول العربية ، كل هؤلاء كانوا يتعاطفون مع الجماعة المسلحة بالجزائر، بحيث أن الأموال التي يستحوذون عليها بأوروبا يقومون بإرسالها لهذه الجماعة.

زعيم "الانتحارين" سيتكلف بمهمة توزيع مجلة " الأنصار" بالجزائر ومجموعة من الأشرطة السمعية التي تأمر بالجهاد، بعد توصله بالأموال اللازمة لذلك، ومن بين هذه الأشرطة أحمد أمير الجماعة الإسلامية سابقا، وكان ذلك بمساعدة كل من بوشعيب مغدر والحسين البرغاشي ورشيد أشتوك، وكانت المجلة تأتي في خمس نسخ من الدنمارك عن طريق الأب الروحي وغاسل الأدمغة سعيد منصور الذي كان عمل على تصويغ الأفكار للجماعة الانتحارية لتنفيذ أعمالها الإرهابية، بعد ارسالها في اسم محمد دمير وعلى عنوانه الذي مده بوشعيب مغدر لأفراد الجماعة الجزائرية التي كانت ترى أن القتال ضروري لبناء الدولة الإسلامية.

وبعد مرور سنتين على الاجتماعات بمنزل احد المحامين بالبيضاء أصبح زعيم الانتحاريين يتوصل بمبالغ مالية مختلفة وفي سنة 1993 استضاف الأخير عناصر من الجماعة بمنزله لأكثر من مرة بالبيضاء، اقتنع خلالها رشيد أشتوك والحسين البرغاشي بفكرة الذهاب إلى الجزائر من أجل الجهاد إلى جانب الجماعة، متوجهين صوب مدينة وجدة بغرض السفر، لكن الخوف والارتياب منع كل من زعيم انتحاريي 16 ماي والبرغاشي من الذهاب، ليتراجعا في اللحظات الأخيرة ويقررا الالتحاق بأحد المساجد في الجهة الشرقية لحفظ القرآن، بمسجد كان يتولى الدكتور مصطفى بنحمزة الإشراف عليه، لكن بعد تهرب الأخير من فكرة إيوائهما، اضطرا لمغادرة المنطقة ليستقرا بعد رحلة طويلة بأحد المساجد ومكثا به لمدة شهرين و10 أيام ، وبعد حفظ بعض أحزاب القران، عاد دمير زعيم الانتحاريين أدراجه، فيما استقر البرغاشي بالناظور الذي سيصبح فيما بعد إمام بوزارة الأوقاف.

خلال هذه الفترة فقد محمد دمير الاتصال بأفراد الجماعة الإسلامية الجزائرية، خاصة بعد علمه بمقتل أبو عبد الله أحمد وخلفه جمال الزيتوني ثم عنتر الزاوايري، لتتوطد بعدها علاقة الأخير بسعيد منصور المرجع الفكري لهذه العناصر المتشبعة بأفكار التطرف، الذي أدين مؤخرا في منتصف شهر أكتوبر الجاري بالإعدام،البالغ من العمر 59 سنة، والذي تم تسليمه بعد الاتفاق بين رئيس الحكومة الدانماركية ووزير الخارجية في زيارته الأخيرة للمغرب يوم 10 دجنبر 2018 أثناء مؤتمر الهجرة، على خلفية ورود اسمه في محاضر الاستماع لعناصر خلية يوسف فكري، وبالضبط في المسطرة المرجعية لعمر معروف الذي أدين بالإعدام قبل أن يتم تخفيف الحكم لـ15 سنة ومغادرته السجن.

وعمد غاسل الأدمغة يعيد منصور على الاتصال بدمير وحثه على تغيير النهج وإتباع السلفية والدعوة لها من خلال توزيع مجلة جديدة تحت اسم " الفجر" التي كانت تأتي من الدنمارك وعليها بيانات كل من مصعب السوري ورسائل لأبي محمد المقدسي وأبو قتادة الفلسطيني وأبو عبد الله الصادق أمير الجماعة الإسلامية المسلحة، لبزغ بذلك أفكار جديدة عن السلفية الجهادية، وتلك البداية، وفي أوائل 1996 التقى زعيم "انتحاريي البيضاء" بالمدعو جواد القادم من الدنمارك وعرفه على محمد بونهار، المدعو أبو هاجر السلفي الجهادي والذي كانت له أنداك مكتبة بحي الادريسية لتتوطد علاقته بالأخير رفقة محمد غرباوي ويصبح زعيم الانتحاريين بعد اقتناعه بأفكار السلفية وتشبعه بها مؤمنا بضرورة نشرها، مصرا على عقد جلسات أسبوعية بعد صلاة العشاء إلى غاية الفجر للتحاور حول الأمور الدينية وانتقاد أتباع جماعة العدل والإحسان إلى أن جاء محمد بونهار المدعو أبو هاجر من السويد في بداية التسعينيات وكان رفقته محمد غرباوي المدعو أبو سلامة " الذي أصبح فيما بعد يحثه على الاتصال بعمر الحدوشي ومحمد الفيزازي على اعتبار أنهم فقهاء سلفيين.

وفي نهاية السنة سافر دمير رفقة محمد بونهار إلى طنجة للقاء عمر الحدوشي لاخباره أن هناك مجموعة من الشباب متعاطفون مع منهجه بالبيضاء وبإمكانه استقطابهم بسهولة، فحبذ الحدوشي الأمر، واتفق معه على زيارة مجموعته بالبيضاء، ثم زار بعد ذلك محمد الفيزازي ببيته ومن تم توجه لتطوان لقضاء بعض المآرب.

وكما كان الاتفاق، التقى عمر الحدوشي مجموعة من الشباب رفقة 50 شخص بمنزل زعيم الانتحاريين وتطرق لمسائل متباينة حث فيها زعيم الانتحارين على استقطاب أتباع جدد في الوقت الذي كلان يسهرفيه على توزيع مؤلفات الشيوخ من بينهم الحدوشي.

وبنفس السنة تعرف من خلال المجالس التي كانت تعقد لدى الشيخ أبو حذيفة على كريم المجاطي المدعو أبو إلياس، وهو سلفي جهادي سبق له وجاهد بكل من البوسنة وأفغانستان التي عاد منها بعد الهجوم الأمريكي وكان الأخير متحمسا للقيام بعمليات جهادية ضد المصالح الأجنبية خصوصا اليهود المتواجدين بالمغرب وذلك بدخول المعابد وقتل كل من يتواجد بها، ولإكساب هذا العمل دعما شرعيا توجه دمير والمجاطي لأحمد الرفيقي (أبو حذيفة) الذي اعترض ولم يوافقهم ذلك، فكان لزاما عليهم للقيام بتصفية اليهود التوفر على أسلحة نارية أو متفجرات كان كريم المجاطي وعمر معروف يحسنان استعمالها لتدريبهما على ذلك بأفغانسان والبوسنة.

ولاختبار هذه العملية، استقبل محمد دمير كل عمر معروف ومراد صروف المدعو أبو حمزة الأمريكي النريواني عبد الرحيم وكريم المجاطي لإعمال تجربة في صنع المتفجرات باستعمال أنبوبي اختبار وورقة ترشيح بيضاء وألة تحريك والماء المؤكسد وغبرة بيضاء ومواد أخرى وضع ذلك داخل مصباح كبير جزء منه وتم تعرية أسلاكه ثم اشعال المادة لكن هذه المحاولة لم تنجح أنداك، في الوقت الذي كانوا فيه مستعدين لصنع المتفجرات لضرب المعبد اليهودي بالبيضاء، ليقرروا بعدها الخضوع لتمارين مشددة قصد زيادة قدرتهم على التحمل، شبيهة بتمارين أفغانستان والجبهات الحربية، حيث اختاروا منطقة "الواد المالح" ضواحي مدينة المحمدية لممارستها رفقة كل من مولاي الحسن الإدريسي ورشيد نور العين وهو مهاجر بفرنسا بقيادة المجاطي الذي عمل على تدريبهم ببدلة أفغانية، خضعوا بذلك لتمارين قاسية لعدة مرات بنفس المنطقة المعروفة بوعرة تضاريسها الشبيهة بتلك الموجودة بأفغانستان.

الجماعة ستكبر بعد ذلك بعدما زار محمد دمير في سنة 1999 بالحسين البرغاشي بالناظور ووجد عنده يوسف فكري الملقب ب" أمير الدم"، مقترف جرائم إرهابية حتى قبل أحداث 16 ماي بالبيضاء، التي لم يسلم منها حتى أقرب المقربين منه بعد قتله لعمه المتزوج بسبب ممارسته الزنى، ويوسف عداد اللذان كان يختبأن عن السلطات وهما على نفس منهج السلفية الجهادية، ليطلبا من زعيم الانتحارين تدريبهما على محاربة ما يسمى"محاربة الموبقات شرعا" وتعذيب وضرب المنحرفين دينيا وأخذ أموال العصاة اعتبار لكونها حلال للجماعة اعملا بقاعدة الفيء التي تفيد أن الأموال لا يستحقها هؤلاء وإنها من حق المسلمين المجاهدين، قياسا على الغنيمة في زمن الحرب.

ظل أعضاء الجماعة التي سيلتحق بها يوسف فكري "عاشق ذبح الأبرياء" يقومون بأفعالهم الإجرامية في سرية تامة دون أن يفصحوا بها لأحد ، واتفق دمير مع ربيع وأيت أوزو على انضمام يوسف فكري الذي كان قد خطط لسرقة سيدة كان قد اكتروا منها شقة بدعوى استغلالها لمحل للقوادة، وسلبها بالفعل منها 15000 درهم ودملجين من الذهب، بعدما أخفيا وجوههما متسلحين بمديات وغادرا المكان صوب المسجد وتقاسما المبلغ دون إخبار الحسين البرغاشي.

رجع بعد ذلك محمد دمير للبيضاء وظل على اتصال مستمر بباقي الأعضاء، وبعد مدة غير بعيدة حل "أمير الدم" بالبيضاء لزيارة الأخير بمعية عبد المالك بوزكرن زعيم الخلية الانتحارية والذي كان يعرفه في السابق ويمده بكتب الشيوخ بدوار "السكويلة" وشخص أخر يدعى مصطفى من الناظور، عقب سرقتهم سيارة أحدهم من طراز مرسديس 300 والتي جاءوا على متنها قادمين من الناظور، قصد تزويد دمير بجوزات سفر التي يتحصل عليها فكري من عمليات " النهي عن المنكر " بقصد إرسالها للإخوان المجاهدين بالخارج، من بينها جواز سفر اسباني وفرنسي ، والتي سيسلمها بدوره فيما بعد لصديقه زارلي صالح بحكم عمله بايطالي وانتمائه للسلفية.

أفعال الجماعة لم تتوقف عند سرقة السيارات وتغيير لوحات ترقيمها وبيعها ، لباشروا عمليات السطو على المارة، فبعد لقائهم عند حلول الظلام في أحياء البيضاء كانوا يبحثون عن أهداف للسطو عليها وكان محمد دمير يتولى السياقة بحكم معرفته الجيدة بالعاصمة الاقتصادية، بالقرب من الملاعب الرياضية بالحي الحسني قاموا بسرقة حقيبة أحدى الشابات بها هاتف نقال ومبلغ 400 درهم وبعد العثور على رقن سري لبطاقتها البنكية تم سحب مبلغ 20000 درهم.

كما قاموا يتصيدون فرائسهم، وسلبون أموالهم بدون وجه حق، كما وقع لفتاتين مستخدمتان في المعامل تم نشلهما مبلغ 300 درهم وهاتفين محمولين بشارع عبد الرحيم بوعبيد، وبطاقتيهما الوطنية التي ظلت بحوزة "أمير الدم"، وفي الأخير يقوم بتوزيع " غنيمة السرقة" وخلال هذه العملية كان نصيب زعيم الانتحاررين الذي لم يكن يعر المال اهتمام كبيرا حصوله فقط على هاتف محمول ظل يستعمل طوال الوقت التخطيط لعملياته والتنسيق مع باقي أفراد الجماعة.

وكانت هذه المجموعة قد وجدت مناصرين لها في الأحياء الفقيرة في ضواحي بعض المدن المغربية، مثل حي بني مكادة في طنجة، وحي وادي الذهب في سلا، وسيدي مومن والبرنوصي في الدار البيضاء، وأطلقت على العاملين في صفوفها لقب «المجاهدين في سبيل الله».

آخر الأخبار