حوار هادئ بين الصحافي و"الدرابكي"

الكاتب : الجريدة24

10 ديسمبر 2020 - 02:10
الخط :

كتبنا في "الجريدة 24" مقالا حول "الدرابكي" الذي انبثق من أكمّة الكباريهات، مثلما تتسلل خضراء الدمن من بيئتها الذميمة، مسوغا لنفسه صلاحية تصنيف الصحفيين وجمهور الإعلاميين وفق أهوائه الشخصية، ومتوسما في شخصه القدرة على إسداء النصيحة للمؤسسات العمومية حسب استيهاماته الذاتية، وذلك في إحساس متعالِ عن واقعه الحقيقي.

وفي تعقيبه على هذا المقال، المبني على الضمير المجهول في إيحاءاته، وغير الصريح في تلميحاته اللغوية والاصطلاحية، خرج علينا اليوتيوبرز الدرابكي بمحتوى رقمي جديد يصدح بما يعتمل سرائره من كلام موغل في الإسفاف، رافعا سبابته أمام رؤوس الأشهاد ومعترفا بأنني "الدرابكي" المقصود في مقال الجريدة 24، في تجسيد واقعي للمثل المغربي الدارج "لي فيه الفز كيقفز".

وإذا كان في رحم كل أزمة فرصة، كما يشاع في القول المأثور، فإن الفرصة سانحة اليوم لإجراء نقاش هادئ بين الصحفي والدرابكي، لعله يدرك الفرق بين حدود النشر التي تؤطرها مسؤولية الصحفي وأخلاقيات المهنة، وبين إلقاء الكلام على عواهنه عند من سواه، وتحديدا عند من كانوا بالأمس القريب يمتهنون ترديد صدى "المغنيات الشعبيات" في الكباريهات وصاروا بفضل منصات التواصل الاجتماعي "مؤثرين في العالم الافتراضي".

فصحفي الجريدة 24 وزملائه المهنيين عموما، لا يمكنهم أن يهيموا على وجههم مثلما هام مول الدربوكة، ولا أن يسقطوا في زلاته مثلما سقط، إذ انبرى ينشر تسجيلات لضحايا وهيبة خرشش بدون موافقتهم، معتقدا بأنه حصل على دليل براءة الشرطية المعزولة، بينما هو في الحقيقة كان يرتكب جرائم كثيرة دون أن يدرك ذلك، لأن المشرع الجنائي المغربي يعاقب بالحبس والغرامة في الفصل 447-1 "كل من قام عمدا، وبأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية، بالتقاط أو تسجيل أو بث أو توزيع أقوال أو معلومات صادرة بشكل خاص أو سري، دون موافقة أصحابها. وكل من قام عمدا، وبأية وسيلة، بتثبيت أو تسجيل أو بث أو توزيع صورة شخص أثناء تواجده في مكان خاص، دون موافقته".

أيرى الآن السيد "الدرابكي" الفرق بينه وبين الصحفي؟

أم هو بحاجة لمزيد من التوضيحات لعلّه يتلمّس حدود النشر القانونية. فالمشرع المغربي أحاط الأطفال القاصرين بحماية كبيرة في مسائل النشر، وأسدل حرمة على صورهم ومعطياتهم الشخصية، عندما منع في المادة 466 من قانون المسطرة الجنائية نشر أية بيانات عن جلسات الأحداث القاصرين، أو بث رسوم أو صور تتعلق بهويتهم وشخصيتهم ومعطياتهم التعريفية تحت طائلة العقوبات الزجرية. فهل يعي الدرابكي أنه حينما نشر تسجيلات أبناء خصوم وهيبة خرشش القاصرين إنما كان يخرق القانون ويهتك حرمة هؤلاء الأطفال؟

فاليوم، أضحى بمقدور عائلة البشير الدكالي، ضحية الشرطية المعزولة وهيبة خرشش، أن يلجأ للقضاء في مواجهة اليوتيوبرز الدرابكي للمطالبة بجبر الضرر المادي والمعنوي، وطلب الإنصاف القانوني والقضائي، جراء جرائم التشهير ونشر وبث صور وتسجيلات شخصية بدون موافقة أصحابها.

كما بات باستطاعة المعني بالأمر أن "يجرجر" اليوتيوبز المنافح عن وهيبة خرشش في المحاكم الوطنية بسبب إساءته البالغة لأبنائه القاصرين.

فالفرق بين الصحفي واليوتيوبرز ليس في مساحة الحرية، كما يتوهم البعض، وإنما في احترام أخلاقيات المهنة وحدود النشر المسموح بها قانونا وأخلاقيا.

فالصحفي مسؤول أمام هيئة التحرير، وأمام القارئ، وأمام ضميره أولا وقبل كل شيء، بينما من يزيح اللجام عن فمه أمام شاشة الهاتف المحمول ويشرع في  "لوك الجمل الحارقة التي تمس بحقوق الأشخاص، بمن فيهم القاصرين، فذلكم لن يكون أبدا صحفيا وإنما مول دربوكة انقطعت به السبل فصار يوتيوبرز يصنع المحتوى في الشبكات التواصلية".

والفرق أيضا بين الصحفي والدرابكي، هو أن الأول قادر على التأثير في الثاني واستفزازه حتى بدون ذكر هويته أو التعريف بصفحته الافتراضية! إنها لغة التلميح القمينة بإيصال الرسالة مجازا وبدون صريح العبارة ولا سفيه الكلام أو بذيء الإشارة.

أكثر من ذلك، استطاع الصحفي أن يجعل الدرابكي يستهل محتواه المصور بالتعقيب على مقالة الجريدة 24، رغم تداخل العديد من الأحداث والظروف الملابسة، وكأن مقالة قصيرة من عدة كلمات شكلت سهما يخترق خاصرة الدرابكي، الذي ظل لسنوات يصوب العديد من السهام بدون أثر ولا وجع يذكر.

والمسترعي للانتباه أن اليوتيوبرز الدرابكي، مع الإمعان في عدم ذكر اسمه اليوم، سقط في تناقض فج، إذ ادعى أن جريدة محترمة وهي الجريدة 24 كتبت عليه مقالا، ثم عاد وقال بأنه يهاجم الصحافة غير المحترمة من قبيل الجريدة 24 وموقع إخباري آخر!

ولئن كنا في الموقع لا نعتد بتصنيفات الدرابكية، ولا انطباعات "اللقايجية"، إنما وجدنا أن هذا التناقض ضروري لإدراك أن الإيحاء في الكلم، والتلميح في البوح، والبلاغة في المبنى، والحصافة في المعنى، قادرة على ترك الأثر البليغ فيمن يعتبرون أنفسهم مؤثرين بالكلام الساقط.

وإدراكا منا بأن وسم " الدرابكي" يفي بالغرض المطلوب في تبليغ الرسالة للرأي العام، ويستوعب شخصية اليوتيوبرز المهين للجسم الصحفي والإعلامي بالمغرب، فقد آثرنا، مرة أخرى، الإماءة إليه وعليه بالضمير المبني للمجهول، وبسحب كل إشارات التعريف اللغوية عند الحديث عنه، لسبب بسيط وهو أن من يهين الناس بذعر الكلام، ويتاجر بمآسيهم نقدا أو عينا، لا يستقيم أن يكون معرّفا في وسائل الإعلام المغربي.

آخر الأخبار