بين بلد عريق وآخر غريق يتبدى فارق شاسع.. ودق طبول الحرب يصب في مصلحة المنهزمين لأن السلم خيار الأقوياء كما تعتقد الأمة المغربية وتؤمن بذلك منذ الأزل.
فكما أن المغرب غُبِن في أبنائه بهجوم غادر بعدما فتح مرتزقة النار على سائقي شاحنات في مالي شهر شتنبر الفارط، ولم يبادر إلى توجيه الاتهامات إلى أي جهة معينة مكتفيا بالإشارة إلى فتح تحقيق في الموضوع، فإن النظام الجزائري وبعد مقتل 3 من مواطنيه المتعاملين مع مرتزقة "بوليساريو" بعد انفجار لغم في المنطقة التي تشرف عليها الـ"مينورسو" بادر إلى اتهام المغرب مباشرة، علما أنه وبعد الاتهام قال إنه فتح تحقيقا في الموضوع.. فهل من جنون بعد كل هذا؟
عراقة المغرب جعلته يفترض حسن النية في جيرته وجيرانه رغم القلاقل والنعرات الجزائرية.. أيضا إيمانه بالعدالة جعله يتبنى طرح التحقيق دون توجيه اتهامات مباشرة في غياب ما يثبت الجهة المحددة التي نفذت الهجوم، وهو أمر استحسنه المعنيون جميعا بالأوضاع في المنطقة، وقد راقتهم الكياسة المغربية رغم الآلام التي خلَّفَها مقتل الرعايا المغاربة فوق أرض مالي.
أما النظام الجزائري الغريق في مشاكل الداخل لم يتردد عن اتهام المغرب بشأن مقتل ثلاثة جزائريين بلغم في منطقة محظورة عسكريا تتنقل فيها ميليشيات "بوليساريو"، وقد أفادت رئاسة جارة السوء، كذبا وزورا، أن الأمر تم بقصف جوي، فيما القتلى هم جزائريون كانوا ينقلون أسلحة وعتادا للانفصاليين على متن شاحنتين قبل أن ينفجر تحتهما لغم حول الكل إلى رماد.
وفيما انقضت الرئاسة الجزائرية على الواقعة لتدق طبول الحرب ضد المغرب وتتوعد بـ"العقاب"، أبدى المغرب إزاء الأمر ضبطا للنفس يحسد عليه وشدد مرة أخرى وبأعلى صوت موجها كلامه إلى حرائر وأحرار الجزائر أن "المملكة لم ولن تستهدف أي مواطن جزائري مهما كانت الظروف والاستفزازات".
هذا النفي جاء مقرونا بنبل مغربي يفيد بأن المملكة تقدم الخير على الشر وتؤثر السلم على الحرب، وأنها لن تنساق إلى مستنقع المواجهة ونسف كل الجهود والمساعي التي بذلتها للرقي بنفسها وبمن حولها أو شركائها أينما تعينوا شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، وقد عبر المغرب صراحة على أنه لا يسعى للحرب ولا يريدها في حال أراد النظام الجزائري ذلك، ولهذا فإنه لن ينساق وراء كل الاستفزازات التي تتغيا الوقيعة العسكرية بين البلدين.
ويظل المغرب محقا في تمنعه من دخول مستنقع الحرب مع الجزائر، لأنه سيخسر كثيرا من الوقت الذي خطط لتكريسه من أجل إتمام بناء الصرح المغربي والمغاربي، فالمملكة تواجه مشاكلها الداخلية والخارجية بكل الشجاعة الممكنة ولا تبحث عن تصريف مشاكلها نحو الخارج مثلما اعتاد حكام الجزائر الذين كلما حوصروا في الركن بالمطالب الشعبية في الداخل فروا نحو الخارج ورموا بثقل ما يقع على شماعة المغرب.. العدو الأزلي الذي اختاروه ليكون مطية لتحقيق مآربهم الدنيئة.