نيران صديقة تفضح تيارات الإسلام السياسي !

أثار الهجوم الحاد الذي شنّه القيادي في جماعة الإخوان المسلمين في الأردن ليث الشبيلات على التنظيم الذي ينتمي إليه جدلا واسعا ، كونه فضح في وقت سياسي حسّاس أجندات الجماعة، ما يمثل ضربة قاسية لمساعي التنظيم لإعادة التموقع على الخارطة السياسية المستقبلية.
سلّط الهجوم الحاد وغير المسبوق الذي شنّه القيادي في جماعة الإخوان المسلمين في الأردن ليث الشبيلات على التنظيم الذي هو عضو بارز فيه، الضوء على حدة الانشقاقات التي تعصف بالجماعة التي وضعت تموقعها في الخارطة السياسية القادمة على حساب ثوابتها، وهو تكتيك ليس بغريب عن جماعة تضمر خلاف ما تظهر.
وهاجم الشبيلات في تسجيل صوتي جميع قادة الحركة الإسلامية بمن فيهم هو نفسه، متهما الإخوان المسلمين بـ”الحرص على التنظيم أكثر من الحرص على الدين”.
وقال الشبيلات “يلعن أبو التنظيم.. نحن الإسلاميون المجرمون.. بئس الرجل أنا الذي قبلت أن أكون منكم”، مشددا على أن “كل فساد الدنيا في الإسلاميين”.
ودعا الشبيلات الشباب الأردني إلى عدم تصديق الإسلاميين. وقالت أوساط سياسية أردنية إن ما جاء في تصريحات الشبيلات ليس بخفي على الأردنيين، إلا أن صدروه عن قيادي بارز في التنظيم بتوقيت سياسي حساس في البلاد، وهو مناقشة توصيات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، يقطع على الجماعة مساعيها لتثبيت نفسها على الساحة السياسية المرتقبة ويعرّي أجندتها.
وتحظى تصريحات الشبيلات بمتابعة واسعة لدى الأردنيين، إذ أنه شخصية عامة مؤثرة في الرأي العام وينتظر أن تؤثر تصريحاته على أجندات الإخوان السياسية بما يساهم في المزيد من إضعاف الجماعة التي منيت بخسارة نيابية مدوية في الانتخابات البرلمانية السابقة وتسعى لتدارك ذلك في الانتخابات القادمة عن طريق مغازلة السلطة من ناحية انخراطها في دعم توصيات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية من جهة وتحشيد الرأي العام الأردني عبر الإيهام بأنه عنصر مساهمة في التطوير السياسي وليست قوة جذب إلى الوراء.
وتنشد جماعة الإخوان أن تأتي الإصلاحات السياسية التي تجري مناقشتها في البرلمان الأردني بما يتماشى مع مساعيها لتهيئة المناخ لحكومات برلمانية، وهو طلب لطالما تمسكت به الجماعة باعتباره السبيل الوحيد بالنسبة إليها للمشاركة في سلطة القرار.
ويقول وزير الإعلام الأردني الأسبق طاهر العدوان “الإسلاميون لا همَّ لهم سوى الحفاظ على وجودهم أمام موجة الإلغاء والإقصاء السائدة ضدهم”.
ورغم أن السلطة فتحت قنوات تواصل مع الإخوان المسلمين من خلال اللجنة الملكية لتحديث الحياة السياسية، إلا أن محلّلين يؤكدون أن الأمر لا يعني أن هناك نية لاستيعاب الجماعة مجددا في المشهد السياسي.
وتقاطع الحكومة الأردنية جماعة الإخوان، لاسيما بعد قرار صادر من أعلى هيئة قضائية في المملكة يقضي بعدم شرعيتها. وتشير الدوائر إلى أن هناك قرارا من أعلى هرم في السلطة وهو الملك عبدالله الثاني بالتعاطي بمرونة مع مختلف الأطياف السياسية داخل المملكة.
ليث الشبيلات يتهم الإخوان المسلمين بالحرص على التنظيم أكثر من الحرص على الدين
وتقول دوائر سياسية إن الانفتاح الرسمي على الإخوان مجددا بعد قطيعة طويلة نسبيا هو تمشٍ تكتيكي في ظل الظروف الحساسة التي تمر بها المملكة، والتي تفرض تحييد أي أصوات معارضة قد تعمل على تأزيم الأوضاع أكثر.
وكانت الجماعة، ممثلة في التحالف الوطني للإصلاح، قد نجحت في حصد ستة مقاعد فقط في الانتخابات النيابية الأخيرة التي أجريت في العاشر من نوفمبر الماضي، بخسارة نحو ثلثي مقاعدها التي حصلت عليها في الانتخابات التشريعية السابقة (16 مقعدا).
ومنيت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن بانتكاسة جديدة، حيث فشلت في تسجيل حضورها ضمن أي من اللجان النيابية الخمس عشرة، وبالتالي باتت عمليا خارج المعادلة البرلمانية.
ويرى مراقبون أن عدم نجاح جماعة الإخوان في الانضمام إلى اللجان، سيجعلها على الهامش في المجلس، ولن تكون لها القدرة على التأثير خاصة من الناحية التشريعية.
ويعد البرلمان المنفذ الوحيد لجماعة الإخوان من خلال وجود نواب لذراعها السياسية، حزب جبهة العمل الإسلامي، لكن الوضع تغيّر، ولم يعد لهذا الحزب اليوم أي تأثير نيابي، فضلا عن قرارات قضائية تلاحق الجماعة مطالبة بحلها.
وكانت الأسرة الهاشمية المالكة تتعامل دائما مع الإخوان بحذر وتقترب وتبتعد عنهم بمواقيت ومناسبات مختلفة، واعتبرت أنهم تيار سياسي “فلسطيني” في الأردن، لكن الإخوان تمكنوا من إحداث اختراقات حقيقية في المجتمع الأردني.
وتؤكد مصادر سياسية أردنية أن الإسلاميين وفي إطار مناوراتهم المعهودة قد تخلوا عن جزء كبير من تحفظاتهم التي تتعارض مع ثوابتهم الأخلاقية والسياسية لتجنب اعتراضها مع توصيات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية تمهيدا للتصويت لصالحها وإعادة التموقع داخل الخارطة السياسية الجديدة بما يسمح لها بأن تكون مشاركة ومؤثرة في اتخاذ القرارات الوطنية.
ويشير هؤلاء إلى أن الإسلاميين يراهنون في المرحلة القادمة على التقاطع بين السياسي والاجتماعي، إذ يدعمون الوصول إلى حكومات برلمانية وعدم عرقلة ذلك خلف الستار ومن خلال التوافقات البرلمانية مقابل اللعب على التحشيد الاجتماعي وتحفيز القاعدة الاجتماعية عبر المكون العشائري الوازن من خلال إثارة قضايا التطبيع ومواجهة العدو الإسرائيلي وهي محفزات انتخابية ينتظر أن تؤثر في تشكيل الرأي العام الانتخابي.
جماعة الإخوان تنشد أن تأتي الإصلاحات السياسية التي تجري مناقشتها في البرلمان الأردني بما يتماشى مع مساعيها لتهيئة المناخ لحكومات برلمانية
ويعاني الإسلاميون من انشقاقات صلب تنظيمهم منذ سنوات استطاعوا التكتم عليها وتجاوز تداعياتها السياسية، إلا أن ذلك لم يعد متاحا اليوم بعد أن استنزفوا جميع أشكال المناورة والمخاتلة وباتت أطروحاتهم غير مقنعة حتى داخل القيادات أنفسهم.
وردّا على الشبيلات استهجنت قيادات إسلامية الهجوم الحاد على الحركة الإسلامية. وعبروا عن استغرابهم الشديد للهجوم وكيله الاتهامات التي تفتقر لأي حقائق واقعية؛ مؤكدين أن مهاجمته للحركة لم تكن الأولى ولن تكن الأخيرة، ولكنّها اليوم تتقاطع مع حملة تستهدف الجماعة بشكلٍ “غير بريء”.
وشنّ القيادي الإسلامي أحمد أبوغنيمة بصفة خاصة هجوما معاكسا على الشبيلات منتقدا استعماله لعبارات وألفاظ غير لائقة ومشيرا إلى أن الحركة الإسلامية حملت الشبيلات على ظهرها طوال عقود وسأل: لولا حملك الإسلاميون الذين تشتمهم أين ستكون ومن أنت؟
وتحدث أبوغنيمة في تغريدة خاصة عن مراعاة الحركة الإسلامية لظروف واعتبارات المصلحة العامة ونصح الشبيلات بأن يوقف محاولته لتصفية حساباته مع النظام على حساب الإخوان المسلمين.