لهذه الأسباب التفتت إسبانيا إلى المغرب ولم تبالي بالنظام الجزائري

هشام رماح
غلطة المختال بنفسه بألف.. فكما ظن النظام الجزائري نفسه قادرا على التحكم في إسبانيا بسبب كميات الغاز الطبيعي الذي تستورده من الجارة الشرقية، فإن قرار وقف العمل بالأنبوب المغاربي الأوربي كان سلاحا ذو حدين تسبب في أضرار لنظام الـ"كابرانات" وحده بعدما ارتد عليه. كيف ذلك؟
في عز الأزمة بين المغرب من جهة وبين الجزائر وإسبانيا من جهة أخرى، هب عبد المجيد تبون الرئيس الجزائري، وقد تملَّكته الأوهام ليقرر وقف العمل بالأنبوب في الساعة الأخيرة من ليل 31 أكتوبر 2021، في خطوة معادية للمغرب، أراد من خلالها إلحاق أضرار بالاقتصاد المغربي. لكن هيهات.
هذه الخطوة التي قررها الرئيس الجزائري بمباركة من العسكر، لم تكن محسوبة البتة، فكما جعلت المغرب يستعيض عن الحصة التي كانت تؤول إليه من الغاز الطبيعي القادم من الجزائر بسبب تخلل الأنبوب المغاربي الأوربي لأراضيه، فإنه جعل إسبانيا تتهيب كثيرا من "حليف" مريض بهداءات العظمة وجعلها تعد العدة للتخلص من التبعية لغاز الجزائر ما دام تتحكم في هذه المادة الطاقية عقول متحجرة وصغيرة جدا مثل التي هي في جماجم حكام الجزائر.
وإذ صرف المغرب النظر بسرعة عن الغاز الجزائري وولى وجهه قبل الغاز الدفين في أعماقه، بإبرام اتفاقيات مع شركة بريطانية لاستغلال حقول الغاز في المناطق التي يمر منها الأنبوب المغاربي الأوربي وبالتالي استغلاله من أجل الاكتفاء الذاتي وتصديره فيما بعد نحو الخارج، فإن إسبانيا لم تهضم كيف لم يبال العسكر الجزائري لمصالحها في كل هذا.. وضرب بعرض الحائط مصالحها عبر التقليص من الحصص التي كانت تحصل عليها لمواجهة نوائب فصل الشتاء.
وظهرت إسبانيا أحد أكبر المتضررين من قرار الجزائر الذي وجهته إلى المغرب، وهو ما جعلها تبحث عن بدائل أخرى بدل بقائها رهينة أهواء الـ"كابرانات" وقررت حكومتها مسايرة الوضع لحين اجتياز الشتاء القاسي والبرد القارس الذي اتسم به، لكنها لم تغفل عن السعي وراء ما يغنيها عن الغاز الطبيعي الجزائري، وفتحت قنوات عديدة لسد الخصاص بعدما أظهر العسكر أنهم غير مأموني الجانب.
وإذ تعمقت هموم إسبانيا بشأن مكامن الحصول على الغاز الطبيعي بقوة بعد الاجتياح الروسي لأوكرانيا وتهيب أوربا بأكملها من الوقوع تحت رحمة الروس متى قرروا قطعوا إمدادها بالغاز الطبيعي، ظهرت بارقة أمل من بعيد.. من الولايات المتحدة الأمريكية كمنقذ لأوربا ومعها إسبانيا من كل تبعية للنظام الجزائري.
وقررت إسبانيا اللجوء إلى الغاز الطبيعي الأمريكي، بعدما أبرمت اتفاقيات تقضي باستيراد كميات مهمة من الغاز الطبيعي المسال لسد حاجياتها مستقبلا، وبالتالي عدم الاستسلام والوقوع مرة أخرى تحت رحمة النظام العسكري الجزائري الذي لعب هذه الورقة لدفع إسبانيا دفعا نحو معاداة المغرب، قبل أن ينقلب عليها العسكر بقراراتهم الرعناء.
الآن إسبانيا في حلٍّ تام من أي ضغط جزائري أو جميل قد يتبجح به العسكر عليها، فقررت صد الباب عليهم والتفتت إلى المغرب لتمد يدها إليه عبر قرار تاريخي صدم العسكر الجزائري وجعلهم يرقبون بكل حسرة وألم كيف ارتدت عليهم قراراتهم البغضية، وكيف أن أيادهم حفرت حفرة للمغرب ثم ساقهم غباؤهم ليقعوا فيها.
لكن الهم وكل الهم يستبد بحكام الجزائر لتدبير المرحلة المقبلة، إذ كيف يمكنهم بيع الغاز الطبيعي الذي تنتجه "سوناطراك"، إذا ما آمن الزبناء الأوربيون كلهم مثل إسبانيا أنه لا ثقة بالمرة في النظام العسكري الذي ظهر جليا أنه يدبر خيرات الجزائر وفق أهوائه الصبيانية؟