جريمة مؤنثة... قلب الأم تحجر

جريمة مؤنثة... قلب الأم تحجر

الكاتب : الجريدة24

08 أبريل 2023 - 04:00
الخط :

جريمة مؤنثة... قلب الأم تحجر

رضا حمد الله

معصبة العينين ومكبلة اليدين أدخلت تحت حراسة أمنية مشددة إلى منزلها في الحي الشعبي. العيون تتلصص النظر إليها من شرفات ونوافذ المنازل وزنقة اختنقت بالمتجمهرين، تنطق لغة عجزت الألسن عنها في حادث استثنائي بحي هادئ. شرارة الغضب منها ومما أقدمت عليه، في كل العيون وعلى كل الألسن. نظرات الناس ناطقة تخترق جسدها محاولة النفاذ لقلبها تحجر مع من مفروض أن يلين.
عنصرا شرطة حملا دميتين وأسلحة بلاستيكية في طريقهما للباب حيث تجمهر المصورون طمعا في صورة مثيرة في قضية أكثر إثارة. الفضاء مختنق بمن فيه والجميع يريد معرفة ما وقع في منزل لم يسمع جهرا من قبل صوت قاطنيه منذ حلوا به قادمين من مدينة أطلسية. اقتنته الأم من مردود شقاء سنين وبدعم من ابنتها القاطنة بعيدا، وأوت به ابنها وابنتها الثانية حالمين بالهدوء والاستقرار.
وهي تستعيد شريط الحادث وتشخص ما وقع، كانت الدموع تغالب عيون كثير ممن حضروا إعادة تمثيل الجريمة.
- كيف لقلب هذه السيدة المكافحة ان يقسو على من ربت ورعت وتعبت؟
الظروف أحيانا تغير المشاعر في لحظات غضب قد لا يحسن التصرف معها بالحكمة والرزانة اللازمين تلافيا لإهدار صبر سنين في رمشة عين يغفو فيها البصر وتعمى البصيرة، ليستفيق الغاضب على الفاجعة.
حين عادت لمنزلها في ذاك اليوم المشؤوم، ظنت أن الأمور عادت لنصابها الطبيعي وسابق عهدها بهدوئها. قبل ساعات غادرته مكرهة تلافيا للأسوء بعدما وجدت فلذتي كبدها في وضع لم يرضيها، وهما يعاقران الخمر في خلوة زرعت بذرة الشك بقلبها. تحاشت التصعيد وفرت فاللهم الهروب أو حدوث الأسوء. باتت الليلة عند صديق، ولما عادت صباحا صدمت بالأسوء حدث.
لما ولجت الشقة ذات صباح أحد، وجدت ابنها الثلاثيني بصدد تقطيع جثة شقيقته الأصغر منه ب4 سنوات. لقد قتلها ليلا في ذاك السمر الذي ما توقعت نهايته دامية. رغم الفتور والهزات بينهما، فما توقعت أن يقتل الأخ سائق الهوندا أخته العائدة من رحلة بحث عن لقمة عيش مر في دول الخليج استقرت بها مدة مع أختها الماكثة هناك، وحيث تاجرت في جسدها متخفية في رذاء حلاقة. ألهذه الدرجة يعكر الخمر صفاء العلاقة بين أخ وأخت؟. كانت على دراية بما يعقب السكر الطافح وهي التي جربت السهر والارتماء في أحضان النبيذ الأحمر والليالي التي تحمر دما أحيانا.
مشهد تقطيع الأخ جثة أخته بكل برودة دم، صدمها وصدمتها زادت بتهديده لها إن أفشت السر. غادرت الغرفة مخافة أن تحرقها شرارة غضبه، وتوارت عن نظره هنينة قبل أن تعود مسلحة بأداة حادة اخفتها خلف ظهرها متظاهرة بمساعدته في التقطيع. كانت حذرة وهي تحادثه قبل أن تضربه بالأداة بسرعة فائقة، أصابته في رأسه بشكل لم يعد يقوى معه على الوقوف. تهاوى جسد الابن وسقط محدثا صوتا مدويا، وتهاوى معه بنيان أسرة كدت الأم في الحفاظ على توازنها واستقرارها. شجاعة الأم الستينية زادت بهزم قوة المقاومة في ابنها. هو ساقط أرضا لا قدرة له على النهوض، فبالأحرى مقاومته شرارة غضبها. لم تتركه حتى يموت، وشرعت في تقطيع جثته شبه حيا كما فعل مع أخته. كانت تقطعها بهستيريا.
هذه المشاهد المقززة لم تخجل الأم في إعادة تمثيلها أمام أعين الأمن ونائب الوكيل العام. الكل كان مشدوها ومشدودا لبشاعة كل مشهد ودقة التقطيع. كانت تقطع جسد ابنها كما لو كانت جزارا ماهرا يحسن الفصل من المفاصل. الاجزاء المقطعة وضعتها في أكياس، ولما فرغت نظفت الفضاء من الدم وبقايا لحم وعظام الضحيتين، تخلصت منها في مجاري الصرف الصحي دون أن تكترث للروائح الكريهة التي قد تنبعث بتحللها وتفضح سرا أخفته على الجميع.
انتهت المرحلة الأولى من تشخيص الجريمة، وغادر الجميع المنزل تاركينه فارغا من أهله، الأم في قبضة الأمن وأشلاء ابنها وابنتها نثرتهما في أماكن ومنها حمام الحومة ثاني فضاءات تشخيص جريمة مزدوجة، دخلته على إيقاع الصفير والسب. هناك وأمام حشد جماهيري كبير، أعادت تشخيص طريقة تخلصها من أول أجزاء الجثتين، قبل الانتقال لمحطة القطار حيث تخلصت من أولى الحقائب المحملة بأطرافهما. لم يكن ممكنا استكمال الإجراء القانوني بسلاسة، فتدافع المصورين طمعا في صور "البوز" عرقل العملية وضايق عناصر الأمن.
في ذلك الصباح توجهت الأم لمحطة القطار حاملة الحقيبة الثقيلة، اقتنت التذكرة ركبت القطار المتوجه إلى الجنوب في رحلة لن تنتهي. في أقرب مدينة نزلت تاركة الحقيبة، وعادت لمنزلها لتحمل الثانية وتتخلص منها بنفس الطريقة وفي نفس المحطة وفي القطاع ذي الوجهة نفسها. وفيه عثر على الحقيبة بشكل متزامن مع العثور على الثانية، ما استنفر الأمن بمدينتين بحثا عن مرتكب أبشع جريمة مرتكبة من طرف أحد الأصول.
تحاليل الحمض النووي وكاميرات المراقبة في القطار، فضحت الأم الاي لم تبلغ عن اختفاء ابنتها وابنها وعادت لمنولها لتعيش حياتها بشكل طبيعي بعدما ظنت أنها تخلصت من الجثتين بتقطيعهما والتخلص منهما بالقطار والحمام ومجاري مياه الصرف الصحي. لم يمر وقت طويل لفك لغز الجريمة. وبسرعة اهتدت الشرطة للأم وأوقفتها. عبثا حاولت الإنكار، لكن كل الأدلة كانت في غير صالحها. ولما ووجهت بما توفره من قرائن، انهارت مقرة بقتلها ابنها عقابا لقتله شقيقته، لتنتهي حلقات مسلسل دام بسجن الأم وعقابها بالسجن مدى الحياة.

آخر الأخبار