لهذا وجدت فرنسا نفسها منبوذة في الـ"ماما آفريكا"

هشام رماح
يوما بعد آخر يتنامى شعور الأفارقة بكره فرنسا، هذا البلد الأوربي الذي لم يتخل عن سعيه الدؤوب لنهب خيرات بلدانهم متى برقت أمامه أدنى فرصة لذلك.
تنامي النفور الإفريقي من فرنسا
بينما وجد محللو بلاد "موليير" الذين يحلون على بلاطوهات أبواقها، محشورين بين العديد من الأسئلة، حول سبب تنامي شعور النفور من فرنسا ومن سياساتها الزارعة للفتن، فإن الجواب يبدو أقرب إلى أنوف كل هؤلاء، لكن لا تعمى الأبصار وإنما تعمى القلوب.
الجواب بسيط، ما تقترفه فرنسا بحكومة الظل التي تتحكم في دواليب هذا البلد ذو التاريخ الإمبريالي المقيت، هو ما يذكي الشعور بالكره تجاهها، بخلاف الادعاءات التي تنحو باللائمة على الروس أو الصينيين، كونهم دخلوا إفريقيا وجيشوا شعوب القارة السمراء ضد التواجد الفرنسي.
في فرنسا يسود اعتقاد أن الفرنسيين هم أسمى من دونهم في إفريقيا، وأنهم يفصلون في العلم بالأشياء وخباياها أفضل منهم، والحال أنهم عميان ظلوا يتخبطون ويخبطون خبطات عشواء حتى اصطدموا بالحقيقة المرة.. وهي أنهم أصبحوا منبوذين أكثر في الـ"ماما آفريكا"، بما يهدد بضرب مصالحهم بعدما تلاشى نفوذهم بسبب سياستهم المارقة.
ويبدو أن فرنسا وعلى مر العصور، تبرع كثيرا في خلق البلبلة والقلاقل لا غير أينما حلت، وهو ديدن لم يتغير مؤخرا، حتى وجدت نفسها مطرودة من "مالي" وبعدها غير مرغوب فيها في "بوركينا فاسو"، بينما سيأتي الدور قريبا على النيجر وتشاد وغيرهما.
الأكيد أن فرنسا تتبع سياسة الميل إلى جانب دون آخر، بلا حفاظ على شعرة معاوية، فأن تكون مع طرف لا يعني أن يكون ذلك على حساب طرف آخر، لكن هذا الأمر يتجاوز إدراك الإدارة الفرنسية الحالية الموسومة بالعنجهية والتي تمنع عنها الحكمة وتنأى بها عن الحصافة.
وبشأن المغرب لا ريب أن الأمور انفلتت من بين أصابع "إيمانويل ماكرون"، ساكن الـ"إيليزي" الذي لم يعرف كيف يدبر المرحلة، وارتأى أنه ليكون صديقا للجزائر ويخطب ود الـ"كابرانات" لا بد له من أن يعادي المغرب، وهو ضرب من الجنون كما هو ضرب لعلاقات مغربية فرنسية ظلت قائمة على الدوام، إلى أن بدأت تتلاشى.
خضوع فرنسي للجزائر طمعا في الغاز
لقد خضع "إيمانويل ماكرون" لنظام الـ"كابرانات" بشكل جعله يذكي الشعور بالنفور من فرنسا ككل بين المغاربة جميعا، بشكل يصعب على فرنسا العودة إلى الصورة التي كان يحتفظ لها بها المغرب كبلد صديق.
هذا الأمر لفت انتباه مسؤولي أسبوعية "ذا إيكونوميست" البريطانية، وقد نشرت في تقرير لها، يوم أمس الخميس،، عما جعلها تفصل في العلاقة الفرنسية المتنامية بالجزائر، على حساب حليفها التاريخي المغرب.
ووصفت الصحيفة ما يقع حاليا من الساسة الفرنسيين بكونه، مفارقة واضحة مع سياسة باريس تجاه الجزائر، قبل نحو عام من الزمن، مشيرة إلى أنه في المقت الذي ارتأت فرنسا أن تنمي علاقاتها بالجزائر جعلت علاقتها مع المغرب تذبل يوما بعد آخر.
ووفق الأسبوعية البريطانية، فإن ما زاد الطين بلة، أن الحزب الذي يتزعمه "إيمانويل ماكرون"، وضع الأيادي والأرجل، ليمرر في 19 يناير 2023، قرارا في البرلمان الأوروبي يدين ما وصفها بـ"انتهاكات المغرب لحقوق الإنسان"، فيما لم يقم بتوجيه انتقادات إلى الجزائر، على غير العادة.
وأوردت "ذا إيكونوميست" بأن وفرة الغاز في الجزائر تُعَدّ سبباً رئيساً في اتجاه فرنسا نحو الجزائر، وهو طمع جعلها تعمي أبصارها، وهي تحاول إعادة إحياء علاقاتها مع النظام العسكري الجزائري، على حساب المملكة الشريفة.
ولفتت الأسبوعية البريطانية، الانتباه إلى أن حاجة فرنسا إلى الغاز الجزائري، جعلها تتحول عن موقفها السابق من الجزائر، التي سبق ونشبت بينهما أزمة دبلوماسية بعد تصريحات مفاجئة وغير مسبوقة أطلقها ماكرون، وشكَّك فيها في وجود "أمة جزائرية" قبل الاستعمار الفرنسي.