قتلة الأصول... قتلت والدها في ليلة رمضانية بعدما عاتبها على الاستعمال المفرط للهاتف

جريمة مؤنثة... قتلت زوجها الرافض لعلاجها

الكاتب : الجريدة24

24 مارس 2023 - 09:30
الخط :

فاس: رضا حمد الله

عقارب الساعة تشير للساعة الواحدة والنصف صباحا. الهدوء تام وشامل لكل أركان تلك القرية الصغيرة، إلا من نباح كلاب هنا وهناك، يكسر الصمت وسكون ليل بارد. أشعة الإنارة بشوارع متربة وأخرى منبعثة من غرف بيوت طينية تختصر المستوى الاجتماعي لمن يقطنها من فلاحين لا حيلة لهم للعيش غير منتوج فلاحة أضرها الجفاف.

كل المطابخ تحولت خلايا نحل لإعداد مكونات سحور تلك الليلة الرمضانية الأولى في شهر كريم يكثف العبادة وثراء الموائد. النساء يسابقن الزمن لإعداد ما يكفي من أكل شهي لإشباع بطون أفراد أسرهن البالغين سن الرشد، الذين يحق لهم الصيام ممن لا تتوفر فيهم موانعه من مرض مزمن أو حيض وما جاورهما.

الأمر لا يختلف كثيرا بين الأسر القروية، حتى تكاد منازلها تتشابه في طرق إعداد السحور وطقوسه وحتى مكونات موائده. حتى تلك الأسرة الأوفر حظا ومدخولا انهمكت في الإعداد استعدادا ليوم صيام ثان في شهر تزداد فيه شهية الصائمين للأكل وبنهم وجشع في أحايين كثيرة ودون حمية ولا مراعاة لخطورة أكل معين على الصحة.

في بهو منزلها اتكئ رب الأسرة على جانبه الأيسر ماسكا آلة التحكم في التلفاز، متجولا بين القنوات الفضائية بحثا عن برنامج أو نشرة أخبار، أما الأفلام فلا تهمه أيا كان نوعها ومبدعوها. أما ابنته المدللة التي لم تكمل الستة عشر بيعا من عمرها، فكانت ما تزال في فراشته على سرير قبالته.

كانت مغطاة إلا من رأسها، وقد أخرجت يداها ووضعتهما على صدرها ماسكة هاتفها المحمول، وهي تجول بدورها بين المواقع والصفحات وتتبادل الرسائل النصية والصوتية مع مدردشين لا يعلم الأب عنهم شيئا.

- متى ستتركين الهاتف وتنهضي لمساعدة والدتك؟

سأل الأب ابنته بعدما انتبه لانشغالها بدردشات في وقت تسابق فيه أمها الزمن لإعداد وجبة السحور. رفعت رأسها نظرت إليه براسمة على وجهها ابتسامة لا تخلو من سخرية. طريقة لم ترقه فعاتبها، ناهرا إياها.

علاقتهما لم تكن على ما يرام في تلك الأيام، طلباتها لم يعد يستقوي على الوفاء بهما. ابنته المدللة كانت تغالي في الطلب ومعاودته، بل لم تعد تحترمه كما كانت وفي كل مرة تجادله بطريقة لا ترضيه فيتجدد الغضب ويتصالحا ليعودا للخصام مجددا وكلما جددت طلبا لها أو فاجأته بآخر جديد. لم تكن تهتم بما ينفق عليها، فالمهم بالنسبة لها أن تظهر بأحسن مظهر وأن تتزين بأحسن اللباس والعطور وأن تتباهى بين صديقاتها في الإعدادية بأفضل هاتف مهما كان ثمنه.

نهره لها في تلك الليلة بعد تلك الإشارة المرفوضة من عينيها ردا. على طلبه الالتحاق بأمها في المطبخ، لم يرضيها فنهضت وغادرت البهو ليس لمساعدة أمها، بل إلى غرفة أخرى لتتوارى عن نظره بعدما سبها وفجر غضبها فيها مستعملا كلمات لم تسمعها منه سابقا وما توقعت تفوهه بها. لم يصمت الأب وواصل عتابه حتى بعدما غادرت البهو.

في تلك الغرفة قضت دقائقا مستلقية على بطنها، وكلمات عتاب الأب تتناهى لمسمعها بشكل أجج غضبها دون أن ينفع البكاء في التخفيف من شرارة الغضب. ومرة مدة وهي على تلك الحال تسمع أسطوانة العتاب، قبل ان تنهض وتتجه إلى المطبخ. غسلت يديها وتناولت سكينا، اعتقدت أمها أنها ستساعدها، لكنها غادرته دون أن يتوقع أحد ما سيقع.

توجهت القاصر وقد أخفت السكين خلفها، للبهو حيث كان الأب ما يزال متكئا على نفس الوضع وكلمات الغضب والسخط تتناثر من فمه لتحرق ما تبقى من قدرتها على الصبر. حاولت أن تطلب منه السكوت قبل أن تتجرأ عليه بمبادلته السب بمثله لحد زادت الأعصاب فورانا. كانت واقفة قبالته وهي تشتم من دللها. وفي لحظة لم يتوقعها، انقضت عليه وبسرعة ضربته بالسكين على جانبه الأيمن.

قوة الضربة ودقتها كانت كافية لإصابته بجرح غائر نزف منه دم كثير، فيما فرت هي للغرفة وأحكمت إغلاق بابها، تاركا أباها يواجه مصيره بنفسه بعدما علا صراخه سمع من خارج المنزل، فحضر الجيران لاستقصاء الأمر، فيما كانت هي متحصنة بالغرفة دون أن تنفع محاولات جاراتها إقناعها بالخروج، كن خائفات من أن تقدم على الانتحار.

اتصل بعض الجيران بعون السلطة الذي ربط الاتصال بسائق سيارة الإسعاف التابعة للجماعة القروية، لكنه حضر متأخرا ما زاد من نزيف الأب المصاب بسكين من يده ابنته الوحيدة والمدللة التي وجد الحاضرون صعوبة كبيرة في إخراجها من الغرفة، بعدما أبدعوا كل الحيل لذلك، وطمأنوها على سلامة والدها الذي كانت سيارة الإسعاف انطلقت به في اتجاه المستشفى.

أقرب مستشفى مركزي للدوار يبعد ب80 كيلومترا عنه، لذلك كان صعبا إنقاذ حياة الأب لطول المسافة وخطورة الإصابة ولما نزف من دم. لقسم المستعجلات وصل حيا، لكنه توفي بعد مدة قصيرة رغم جهود الطاقم الطبي المعالج. نقلت الجثة لمستودع الأموات لتشريحها. ودفنت في مقبرة الدوار واعتقلت الفتاة وأحيلت على الوكيل العام الذي أحالها بشكل مباشر على غرفة الجنايات لاعترافها التلقائي بالمنسوب إليها من جناية "الضرب والجرح بالسلاح في حق أحد الأصول المؤدي إلى الموت دون نية إحداثه".

أودعت القاصر جناح النساء بالسجن وشرع في محاكمته والمحكمة راعت ظروف التخفيف في عقابها اعتبارا لظروفها الاجتماعية وكونها ما تزال تلميذة. وأدانتها لأجل ذلك ب8 سنوات سجنا نافذة ما زالت تقضيها في السجن بعدما قتلت أعز إنسان أحبها وعطف عليها ودللها بشكل مغالى فيه.

آخر الأخبار