قتلة الأصول... خنق أمه لتأخرها في فتح باب المنزل

فاس: رضا حمد الله
كانت تنتظر آذان مغرب ذاك اليوم الصيفي، منتظرة صوت مؤذن يأذن لها ولغيرها من المسلمين والمسلمات بمدينتها، بالصلاة بكل الخشوع. على أريكة بفناء منزلها استرخت منتظرة في لحظة شرود. كانت وحيدة قبل أن تسمع دقات على الباب. ظن أن جارة تريد منها خدمة، فهمت لفتحها بعدما سارت بخطوات ثقيلة، رجلاها لا تتحملان المشي بسرعة وقد تمكن المرض منهما.
قبل أن تفتحها، طلبت من الطارق الانتظار قليلا. والمشي من فناء المنزل للباب، طال دقائق قليلة مشتها وانتظرها الوافد الذي لم يكن غير ابنها الأربعيني الذي نسي المفتاح وعاد على غير عادته وما ألفته منه. لا يعود إلا في آخر الليل ثملا يجر رجليه وخيوط الذل والخيبات تراكمت سنينا من عمره لم ينجح فيها في كل عمل باشره حتى بعدما هاجر وعاد بخيبة أمل أخرى.
نسي الابن المفتاح وعاد مبكرا لاسترداده، وما أن فتحت الأم الباب في وجهه، حتى انفجر في وجهها معاتبا إياها على تأخر فتحه، دون أن يراعي كبر عمرها ومرضها وواجب الاحترام المفروض عليه في تعامله معها. هذا الاحترام قل كثيرا في الشهور الأخيرة لم يتوانى خلالها في نهرها وسبها وحتى محاولات الاعتداء عليها. أصبح عصبيا أكثر مما كان.
منذ عاد من إسبانيا، تغير الابن كثيرا وتحول من ودود ورحيم بأمه إلى قاس عليها وحتى على نفسه وكأنه ينتحر يوميا بما يتناوله من خمر ومخدرات تكلف أمه مالا كثيرا انهك ميزانية البيت. كلما يستفيق مساء يطلب منها مبلغا قد يزيد حسب الحاجة، ليغادر المنزل ولا يعود إلا ثملا. لم يكن يفكر البتة في البحث عن عمل ومدخول يعفي أمه من مصاريفه المرهقة وهو على مشارف الخمسين.
يومياته وطرده من إسبانيا بسبب تورطه في فعل جرمي، زادا نفسيته تازما، فأصبح إنسانا غير ما عهدته عليه عائلته من أخلاق وحسن تربية، خاصة أمه تذوق أمر الساعات بحضوره. ومن حسن حظها أن ساعات مكوثه بالمنزل قليلة يقضي غالبيتها نائما بعدما يعود من سمر يطول بوجود مستلزمات السهر من خمر ومخدرات مع أصدقاء سوء ينهكون بدورهم اسرهم ويقتلون قدرتها على تحمل تنطعهم ومصاريفهم الباهظة دون أن يبذلوا جهدا في البحث عن مزرد عيشهم، إدمانهم يستهلك أكبر قدر من ميزانية أسرهم تتحاشى غضبهم.
في ذاك المساء عاد الابن مبكرا، ونهر أمه لتأخر فتحها الباب، دون أن يراعي حالتها الصحية وهي التي تسير في المتر دقائق. لم يحترمها ولم يراعي تضحياتها معه واستنزافه ما ادخرته من مال، في شراء لوازم إدمانه لم يبذل جهدا لعلاج نفسه منه.
لم يكتفي الابن بالعتاب واللوم، ودفع أمه بيده اليمنى لتتهاوى. من حسن حظها أنها تحاشت سقطة مميتة بالاتكاء على يدها. مشهد أبكاها وحرك غضبها، فعاتبه وكالت له كل الاتهامات والشتائم. عيرته بخموله وكسله ومرضه واتكاليته، ولم تكذب في ذلك، فهي العالمة بحجم السيء من خصاله وقد تجرعت مرارتها طويلا. حان الوقت لتبوح وتفرغ ما كتمته طويلا حفاظا على لحمة العائلة واحتراما لمشاعره.
ارتفع صوت الأم لاول مرة عتابا، وتأججت شرارة غضب الابن نزل بركبتيه أرضا ليستقيم مع نفس وضعية أمه، وأمسك بيد على فمها كي تصمت، لكنها واصلت رشقه بالمختار من كلام جارح. لم يتكلم فصدمتها كانت أقوى مما توقعته حتى أم حنون أظناها سلوك ابنها وصبرت طويلا عليه. صمت واكتفى باستعمال يديه أداة لإسكاتها. ولم ينفع وضع يد على فمها، فجرب وضع أخرى على عنقها. ضغط بقوة وأطال مدة الضغط، إلى أن خمدت نفس الأم. لم تعد تصرخ ولا سمع لها أنين. حينها حاول تحريكها دون جدوى.
لقد ازهق روح أمه خنقا. قتلها عن غير قصد، وجلس قربها يبكي ويندب. لقد ضاع كل شيء. ماتت أم حنون لم تبخل عليه بكل شيء مالا كان أو عواطفا. ماتت وانفتحت أبواب السجن مشرعة في وجهه.
وضع رأسه بين يديه وانخرط في البكاء. وقضى على تلك الحالة مدة قبل أن يغادر المنزل تاركا أمه جثة هامدة فيه. لم يخبر الجيران، ولا صرخ طلبا للنجدة. توجه مباشرة للدائرة الأمنية بالحي للتبليغ عما اقترفته يداه خنق بهما أمه حبلت به وربتع ورعته ووفرت له كل حاجياته حتى وهو على مشارف الجميع، دون أن يراعي لذلك في إساءة معاملته لها.
بمكتب بالدائرة الأمنية استقبله ضابط وحكى له ما وقع. لم يصدق الضابط الرواية في البداية، لكنها أخذها مأخذ جد، ليخبر رئيسه ويتنقل فريق أمني للمنزل حيث كانت الأم جثة هامدة صورت قبل نقلها لمستودع الأموات بالمستشفى لتشريحها بأمر قضائي بذلك والبحث في ظروف وملابسات الجريمة. أما الابن فاحتفظ به رهن الحراسة النظرية قبل إحالته على الوكيل العام ومحاكمته والحكم عليه ب15 سنة سجنا نافذة لم ينهيها بعد.