قتلة الأصول... قتل أمه بصخرة وأصاب أباه بجروح

الكاتب : الجريدة24

30 يونيو 2023 - 05:00
الخط :

فاس: رضا حمد الله

كل سكان الدوار في حالة استنفار. تفرقوا في مجموعات سلكت مسالك مختلفة بحثت عنه في الغابة وأينما يكون اتخذ لنفسه وجهة. الخوف تملك الجميع، من ارتكابه جرائم أبشع خاصة أنه مسلح بأداة رادة. طال بحثهم ساعات دون جدوى، لم يجدوا له أثرا في كل الطرق والأماكن التي قد يكون لجأ إليه للاختباء والتواري.

كان لا بد من الاتصال بعناصر الدرك والتنسيق معه. لم تمر سوى مدة قصيرة، وحضرت تعزيزات أمنية مضاعفة ومروحية مشطت كل الأماكن بحثا عنه. لم يدم البحث أطول مما قضاه السكان في بحثهم عنه. من بالمروحية رأى من بها شخصا جالسا في قمة جبل بعيد عن الدوار ب6 كيلومترات. قد يكون المبحوث عنه تعب ويرتاح قبل مواصلة طريقه فرارا من مصير اختاره لنفسه لتورطه في فعل مرفوض مجتمعيا وقانونيا وشرعيا.

جرى الاتصال بين عناصر الدرك إخبارا بوجود شخص قد يكون ذاك الفار، حدد الموقع بدقة. ووضع مسؤول فريق التدخل، خطة محكمة لضمان عدم إفلاته. ضربت حراسة مشددة على مكان وجوه. وتقدمت عناصر الدرك بلباس مدني في اتجاهه. لم يمر من الزمن سوى ربع ساعة كانوا على مقربة منه. تظاهروا بكونهم مجرد عابري سبيل في طريق لدوار مجاور. وما أن بقيت بينهم وبينه خطوات قليلة، حتى انقض عليه أحدهم.

استسلم ولم يقاومهم كان منهكا لا قدرة له على ذلك رغم أن الأداة الرادة كانت ما تزال بيده. هناك جلس ورجلاه داميتان من طول مدة المشي حافيا، عيناه دامعتان، وهو سارد لا أحد علم بما يفكر فيه، وحتى وهو مصفد اليدين وقد أمسك به عنصران من يمينه ويساره احتياطا وخوفا من فراره ولو أن حالته توحي بعدم استطاعته ذلك. قضوا ربع ساعة في طريق ضيقة وسط الجبل، قبل أن يصلوا إلى الطريق المعبدة من حيث اقتيد لمقر سرية الدرك للبحث معه حول ما فعله بوالديه.

وهم في الطريق، كان فريق آخر في منزل طيني تقليدي البناء بسقف قصديري، منهمكا في إجراء معاينة جثة امرأة في الستينات من عمرها. أما زوجها فنقل على عجل للمستشفى الإقليمي للعلاج من جروح أصيب بها. هو بدوره استهدف بالضرب والجرح، لكنه نجا من الموت رغم خطورة إصابته، عكس زوجته أم الشاب الفار، توفيت في الحين. ضربة تلقتها بصخرة في رأسها، كانت كافية لإزهاق روحها.

كانت الجثة ممدة على ظهرها أمام الباب الخارجي للمنزل وسط بركة دم، في رأسها جرح عميق وغير بعيد عنها تجمعت عشرات النساء والأطفال لمعاينة عملية تصوير الجثة وما يعقبها ويسبقها. وحدهن بقين هناك أما الذكور فهاموا في الجبال بحثا عنه. لم تطل مدة المعاينة كان النحيب عنوان مشترك بين كل من وجد بالمكان، لتنقل الجثة إلى مستودع الأموات بالمستشفى. ماتت "الحاجة" كما كانوا ينادونها، وقاتلها ابنها لم يراعي شقائها وتعبها وكدها سنوات لأجله. في لحظة غضب قتلها وتنكرت لكل الجميل والمعروف. لم يكن كما عهدته صغيرا ابنا بارا بوالديه. منذ عاد للاستقرار معهما، تغير سلوكه بشكل جذري.

كان الابن يستغل خياطا بمدينة بعيدة قضى بها عقدا، لكن زحف زراعة القنب الهندي على مسقط رأسه، أرجعه إليه طمعا في ربح مضاعف يبني به أساس اسرة يستقر في حضنها. لكن لا شيء من ذلك تحقق، فقد ارتمى في حضن زراعة ممنوعة وأدمن ما تنتجه الأرض من نبتة سامة تدمر من يستهلكها. إدمانه وقلة حيله لكسب اوفر من هذه الزراعة، أزم نفسيته وجعله إنسانا آخر غير ما عهد عليه من اتزان وحسن خلق.

كان عصبيا أكثر من اللازم في الأيام الأخيرة، ينفعل لأتفه الأسباب ولا يتوانى في إهانة والديه كلما أنبه ضميره على ضياع سنين من عمره في بحث مظن عن أرباح في عشبة كسدت تجارتها بعد اعتقال أكبر المهربين في حملة تمشيطية غير مسبوقة أطاحت بمن كانوا إلى حين بعيدين عن الضبط بفعل علاقاتهم النافذة مع فاسدين في أجهزة مختلفة.

في ذاك اليوم أرغد وأزبد وعاتبه والداه على عدم انتباههما لدخول دجاج وقطيع غنم لحقل مزروع بالقنب الهندي وإتلاف جزء منه. عبثا حاولا إقناعه بوجودهما داخل المنزل. لكنه لم يقتنع ولا كف عن العتاب مطلقا العنان للسانه شتمهما بكلمات نابية. أمه حاولت نهيه، دون جدوى، فما زادت أعصابه إلا فورانا. لم يكتفي بالسب، بل تناول صخرة متوسطة الحجم وضرب أمه. من سوء حظها أن الضربة أصابتها في رأسها لتسقط أرضا على بطنها دون أن تقدر على النهوض.

حاول الأب صده ومنعه من مواصلة ضرب أمه فلقي نفس المصير. ضربه بنفس الأداة ولم يكف إلا بعدما عاين أباه في نفس وضعية أمه. تظاهر الأب بالموت ليتحاشى مزيد الإيذاء. حينها دخل الابن المنزل، وتسلح بأداة رادة وهرب في اتجاه الغابة سالكا طريقا ضيقة إلى أن وصل قمة جبل في اتجاه دوار مجاور. حينها احس بتعب شديد وجلس ليرتاح. لكن من بالمروحية كانوا قد رأوه وأخبروا بذلك ليتجند فريق لاعتقاله دون مقاومة وبلا خسائر.

أوقف الابن واستمع إليه وأحيل على الوكيل العام الذي أحاله على غرفة الجنايات بشكل مباشر. وأثناء محاكمته التمس دفاعه المعين في إطار المساعدة القضائية، إخضاعه لخبرة طبية أثبتت معاناته من مرض نفسي واضطرابات، لتقرر المحكمة انعدام مسؤوليته وتعفيه من العقوبة وتأمر بإيداعه مستشفى الأمراض النفسية والعقلية للعلاج.

آخر الأخبار