سفير الفرنسي بالرباط.. بين واقع العجرفة الفرنسية وأحلام الكلام المعسول

الكاتب : الجريدة24

15 يوليو 2023 - 08:00
الخط :

هشام رماح

في كل مرة تستشعر فرنسا مرارة الخصام مع المغرب، بعدما اقترف رئيسها "إيمانويل ماكرون"، خطأ الاصطفاف إلى جانب النظام العسكري الجزائري المارق، في مواجهة المملكة الشريفة وقد قطع بذلك شعرة معاوية، تطلق دبلوماسييها مثل "كريستوف لوكروتيي" سفير باريس في الرباط، لعله يرتق ما خرقه الرئيس الأخرق، بتصريحاته المنمقة، التي لا تفضي إلى حل.

وإذ طال زمن البرود بين المغرب وفرنسا، بسبب عجرفة الأخيرة وتعاليها في تعاطيها مع القضية المصيرية للمغاربة والقضايا المشتركة بينهما، فإن "كريستوف لوكورتيي"، السفير الفرنسي في الرباط، يعمل جاهدا لبلسمة ما حدث في سعي حثيث من فرنسا التي ارتدت عليها مواقفها المناوئة للمملكة الشريفة، لدفق كأس الخلاف.

ويبدو أن "كريستوف لوكورتيي" ، يجيد تعويم السمكة، وهو يتبرم عن تسمية الأمور بمسمياتها وقد عزا ما يقع حاليا بين المغرب وفرنسا إلى ما وصفها بـ"سوء الفهم والمعلومات المغلوطة"، محيلا في تصريح له على موقع "إيكونوستروم" على أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين تحتاج إعادة البناء من جديد عبر توطيد حوار صريح وبناء من شأنه إزالة اللبس عن الأمور العالقة بينهما.

وإذ بدا السفير الفرنسي متفائلا بشأن إمكانية إحياء العلاقات المغربية الفرنسية، فإنه أغرق فيه بشكل يجعل منه أعمى عن فض الحقيقة المغربية عن الوهم الفرنسي، الذي استبد بالدولة العميقة والمتعجرفة هناك، وهي تظن المغرب سيرضخ لها ولابتزازها وقد غاب عنها أنه انعتق من التبعية لها وقرر المضي وحيدا في مشواره دون وصاية من أحد مثلما تتوسم فرنسا معه وتعمله مع جيرانه.

وكلما يشتد الخناق على فرنسا وتجد نفسها محاصرة، تعمد إلى سياسة الكلام مع المغرب، وهي لا تتعظ من السابقات التي تفيد بأن هكذا نهج لم يعد ينطلي على أحد، فكما أن فرنسا تمد يدها للمملكة الشريفة علانية فإنها لا تنفك عن تنزيل سياستها القميئة والحقيرة وإعمالها ضد المغاربة في قضيتهم الأولى وفيما يتعلق بمنح تأشيرة "شنغن" لطالبيها من المغاربة، وتوابع ذلك.

وبينما أكد السفير الفرنسي بأنه بالإمكان تدارك الخلاف المغربي الفرنسي، فماذا قدم غير الكلام؟ لا شيء. فالأمور لا تزال على حالها ومرهونة بالعقلية الفرنسية الاستعمارية التي تتعامل مع المغاربة بكل التعالي المقيت، وتحرمهم، مثلا، من أموالهم المتعلقة بمصاريف طلب الـ"فيزا" بينما ترفض بشكل سافر منحهم إياها لأنها وفية لقرار الدولة العميقة فيها.

ويبدو أن "كريستوف لوكورتيي" السفير الفرنسي، لا يزال يسبح في دوامة فرنسا المتعالية وقد دعا المغرب للمشاركة في حوار بناء مع فرنسا، قبل أن يعرب عن رغبة بلاده في تعزيز العلاقات الاستثنائية بين الرباط وباريس بشكل واضح خلال العشرين سنة المقبلة، مؤكدا على أن "تجاوز الوضع الحالي يستلزم بناء حوار بناء يستند إلى الصراحة وحسن النية للخروج من الأزمة".

لكن وفي مقابل "السماحة" التي أبداها "كريستوف لوكورتيي"، السفير الفرنسي في الرباط، ينبع سؤال بسيط. فماذا فعل هو بنفسه ليذيب الجليد المتلبد بين المغرب وفرنسا في شأن يتبع له؟ لا شيء أيضا. فنسب رفض منح المصالح القنصلية التابعة له، للـ"فيزا" لا تزال مرتفعة، ولا شيء تغير في هذا الشأن، ليتضح أن الدبلوماسي الفرنسي لا يملك شيء غير اجترار الكلام المعسول لعله يقضي به شيئا ولن يقضيه.

إن ما يغيب عن فرنسا ومن يتحدثون باسمها أن المغرب اليوم لم يعد مغرب الأمس، فهو ولترتيب علاقاته مع الجميع، يشترط قبل كل شيء الوضوح وترجمة النوايا على أرض الواقع، فلا مجال للعب في المنطقة الرمادية، فأن ترغب فرنسا في عودة المياه إلى مجاريها، يلزمها أكثر من الرطن بالكلام، وإنما تلزمها أفعال جدية، يتقدمها الحسم في القضية الأولى للمغاربة، وثم التخلي عن العجرفة والتعالي والتعاطي مع الأمور بينها والمملكة المغربية بمنطق أرض- أرض، وحينها أمر جديد.

آخر الأخبار