أطفال قتلة.. قتل زميله بحجرة

الكاتب : الجريدة24

21 يوليو 2023 - 02:00
الخط :

فاس: رضا حمد الله

في طريق عودتهم من الفرعية المدرسية البعيدة عن سكناهم، يبدعون في لعبهم لإنهاء مسافة أرهقهم قطعها يوميا ذهابا  وإيابا. 5 كيلومترات بمنعرجاتها وعلوها، ملزمون بعبورها في كل الفصول وأيا كانت الأجواء ماطرة أو مشمسة. ذاك حالهم طوال الموسم الدراسي، لحد خبروا معه تفاصيل كل شبر من تلك الطريق البعيدة والشاقة.

المدرسة بنى جزء من حجراتها، آباؤهم وآباء بدواوير مجاورة، أملا في مساعدتهم في طلب العامة ولو كانت طريقه شاقة. تطوعوا لإنقاذ أبنائهم في زمن قلت فيه المدارس في القرى، قبل أن تعزز الوزارة بنية المدرسة بحجرات مفككة استقطبتهم رغم كل الظروف. فمن حق ابناء الدوار، أن يتعلموا ولو فك رموز الحروف والكلمات.

كانوا سبعة أطفال بأعمار ومستويات تعليمية مختلفة، "يزحفون" للمدرسة البعيدة جماعة تضامنا ودرء للمخاطر والتقلبات وترقبا لكل الاحتمالات. ففي تجمعهم قوة وتشجيع على قطع المسافة مرحا وجريا ولعبا في أحايين كثيرة خاصة لما يكون توقيت خروجهم من المدرسة باكرا لانتهاء حصة أو غياب المدرس ابن المدينة المتآلف مع طقس البادية وجغرافيتها الصعبين.

في كل يوم وما أن يغادروا حجراتهم، يعدون لديارهم جماعة. يخوضون سباقا عدو لا يهم الفائز فيه طالما ألا جوائز تمنح لمن يفوز. المهم أنهم يشجعون بعضهم على تذويب مسافة ساعة تقريبا من المشي راجلين في غياب طريق فبالأحرى وسيلة نقل، في زمن لم يكن للنقل المدرسي وجود بقرى موغلة في التهميش والإقصاء.

في ذاك اليوم الربيعي قطعوا أكثر من نصف المسافة وسط الحقول اليانعة. بعضهم يتنمر على الآخر بطريقة ألفوها لكنها لم تكن لتغضبهم او تثير سخطهم. أحدهم وصف زميله بابن العاهرة بعدما جر في غفلة منه، ما أدى لسقوطه بشكل جرح ركبته بعدما تمزق سرواله. شتمه بتلك العبارة اجج غضبه على غير العادة. شتمه وفر جاريا والآخر يتعقبه ويصيح متوعدا. الطفلان المتابعان لدراستها في القسم النهائي للتعليم الابتدائي، قطعا مسافة وهما يتلاسنان ويتوعدان بعضهما دون ان تنفع تدخلات زملائهما للتخفيف من غضبهما.

الطفل المصاب لم يتقبل ما وقع، وذاك المهان في شرف أمه، كذلك. والأعصاب ما فتئت تفور تدريجيا لحد شرعا معه في رشق بعضهما بالحجارة على مشارف دوارهما. المجروح ضرب المهان بحجرة أصابته في مؤخرة رأسه قبل أن يسقط. سقوطه وصراخه أرجع المتقدمين من زملائه، إلى الوراء لاستقصاء ما وقع وحجم إصابته.

كان الدم يسيل من رأسه بوصولهم، كلهم وقفوا مذهولين، لم يتعودوا على مثل هذا الحادث بمن فيهم "خصمه" وقف مشدوها باكية ملتمسا أن يسامحه على سوء تصرفه. ولم تمر إلا دقائق حتى فقد الطفل المصاب وعيه. حينها علت أصواتهم منادية أقاربهم بشكل استنفر كل السكان هرعوا لمصدر طلبات النجدة. كان الضحية لا يحرك الساكن بتجمع الناس. إمكانية إنقاذه كانت شبه مستحيلة. لا الحاضرين خبروا في عمليات الإنقاذ، ولا المستشفى قريب.

كان لا بد من الاستعانة ببغل لنقله على مسافة مضاعفة لتلك التي يقطعونها في اتجاه المدرسة. طول المسافة وظروف نقل المصاب، لم تترك فرصة لإنقاذه. بوصوله للمستوصف، تبين بعد جس نبضه من طرف الممرض أنه فارق الحياة. مشهد أبكى كل من رافقه والعويل زاد بالدوار بسماع نبأ الوفاة وحضور عناصر الدرك التي اقتادت مصيره للمخفر.

تنمر وإهانة غير معهودة بين الصديقين، قادت أحدهما للقبر والثاني لمركز حماية الطفولة حيث أودع تزامنا مع التحقيق معه قبل الحكم عليه ب8 سنوات سجنا بعد مؤاخذته لأجل الضرب والجرح المؤدي إلى الموت دون نية إحداثه. معا ضاعا في حادث انحفر في ذاكرة أبناء الدوار ومرافقيهما في ذاك اليوم الأسود.

آخر الأخبار