بين خسارة ماكرون لإفريقيا والرهان على الحديقة الخلفية للعودة من جديد

الكاتب : الجريدة24

25 سبتمبر 2023 - 01:00
الخط :

هشام رماح

يبدو أن "إيمانويل ماكرون"، الرئيس الفرنسي لا يستوعب الدروس إلا بالطريقة الصعبة، فهو لا يؤتي الأمور إلا صاغرا ويداه فوق رأسه، وهو ما تبدى جليا حينما أعلن سحب "سيلفان إيت"، سفير بلاده من النيجر، وبالتالي إنهاء عمل 1500 جندي فرنسي من المقرر أن يغادروا البلد الإفريقي بشكل مضطرد قبل حلول العام المقبل 2024.

وبرهن الفتى الطائش الذي يقود فرنسا أنه يسير بها بسرعة ودون فرامل نحو الهاوية، ليعلن بنفسه نهاية "فرنسا الإفريقية"، وهي النهاية التي لطالما لاحت نذائرها منذ حكم الرئيس الفرنسي السابق "فرانسوا ميتران"، وحافظ من خلفوه على شعرة معاوية حتى لا تنقطع في أياديهم إلى أن بلغ سدة الحكم في الجمهورية، رئيس مفعم بالعجرفة والغرور، لم يحسب الأمور كما يجب فكان أن كتب بنفسه هذه النهاية.

ولا يختلف إفريقيان، باستثناء "الكراغلة" بالطبع، حول أن فرنسا في عهد "إيمانويل ماكرون"، لملمت كل الأفارقة ضدها، وجعلتهم يصطفون ويتوحدون ضد تواجدها، وليخرجوها من عقر الدار مدحورة، بعدما سئموا "وصايتها" وضاقوا ذرعا بهذا الكيان الإمبريالي الذي استطاب البقاء في المستعمرات القديمة ومص دماء الشعوب فيها.

وإذ انتهت "فرنسا الإفريقية" فإن الوضع لا ينطبق على الجميع، فكما أن مالي وبوركينا فاسو والنيجر والمملكة المغربية ودول أخرى تمتلك قراراتها السيادية استطاعت أن تكنس فرنسا إلى خارج الديار، فإن هناك حدائق خلفية صممها الفرنسيس لتكون محطة لهم يناوشون من خلالها كل الممانعين، بعدما تحسب هؤلاء لحلول زمن مثل الذي نعيشه الآن.

وليس من حديقة خلفية شهيرة لفرنسا في القارة الإفريقية غير الجزائر، التي بسط عليها الفرنسيس هيمنتهم لـ132 سنة، وقد ربوا أجيالا متعاقبة في أحضانهم، ورضعوا من حليب الـ"ماما" قبل أن تطلقهم في البراري، يأتمرون بأوامرها ويفعلون ما يؤمرون، يناوشون ويشاكسون لفائدة هذه الـ"ماما" التي لا تبغي للأفارقة أن ينعموا في سيادتهم وأن يتحكموا في مصائرهم.

وفيما يحاول النظام العسكري الجزائري جاهدا إظهار ممانعته لفرنسا، وبأنه يملك قراره، مثل المملكة المغربية والدول الإفريقية التي رمت متاع فرنسا عند الباب، فإن الوقائع المثبتة تفيد بأن فرنسا لا تزال تستنزف حديقتها الخلفية حيث تركت الـ"كابرانات" أوصياء عليها يصرفون مقدرات الشعب الجزائري عليها.

وفي خضم ما يقع بين فرنسا والجزائر، تفيد آخر الأرقام الرسمية المثبتة، بأن الوضع لا يصل إلى فراق بين الرضيعة والـ"ماما"، وبأن صادرات الحديقة الخلفية من الغاز نحو فرنسا ارتفعت بنسبة 90 في المائة، بما يغطي نصف احتياجات الـ"ماما"، وبأن الأمور في الخفاء على ما يرام، وأن ما يظهر في العلن لا يمكن أن يبلغ مدى العقوق.

لقد أعلن "إيمانويل ماكرون" فعلا عن هزيمة فرنسا، بعدما رضخ لمطالب النيجر، وقد فهم أن بلاده لم يعد مرغوب فيها، لكن استسلامه لن يكون بسهولة، وهو يراهن على أن عودته إلى إفريقيا التي طردته من الباب، قد تتسنى له عبر الحديقة الخلفية لبلاده، حيث من هناك يمكن أن تحيك الدولة العميقة للفرنسيس كل الدسائس التي ينفذها الـ"كابرانات" الذين نصبتهم لخوض الحروب بالوكالة عنها إعلاء لكلمة مرضعتهم.

آخر الأخبار