"لوموند": هذه خفايا ما يحدث حاليا بين المغرب وفرنسا

هشام رماح
ارتمت صحيفة "لوموند" الفرنسية المعروفة بقربها من قصر الـ"إيليزي" ووزارة الخارجية الـ"كي دورساي"، على البرود القائم حاليا بين المملكة المغربية وفرنسا، لتنبش في ثنايا العلاقة الثنائية التي تكاد تتلاشى، منذ أن جاء "إيمانويل ماكرون" إلى الرئاسة، وهذه شذرات مما جاء في محاولة الفهم هذه.
هكذا زاد "إيمانويل ماكرون" الطين بلة
خصصت الصحيفة الفرنسية، في عددها لليوم الأربعاء 4 أكتوبر 2023، صفحتان وعمودا للخوض في ما يشجر بين الرباط وباريس، وقد أفادت بأن العلاقات الثنائية بينهما لطالما كانت "استثنائية" في مرحلة ما بعد الحماية، لكنها تدهورت بشكل فظيع.
ولفتت "لوموند" الانتباه إلى أن "زلزال الحوز" كان يشكل فرصة حتى تهدأ الأمور بين البلدين خلالها، لكن العكس هو ما وقع، إذ تفاقمت التوترات، بعدما لم تستسغ الرئاسة الفرنسية التجاهل المغربي، وهي تعرض مساعدته وتحاول فرض نفسها، في خضم تعامل هستيري للإعلام الفرنسي مع هذه القوة القاهرة.
وعرجت "لوموند"، على الرسالة التي وجهها "إيمانويل ماكرون" للمغاربة، بعدما اتخذت المملكة قرارا سياديا بقبول عروض أربع دول للمساعدة وهي "إسبانيا والمملكة المتحدة والإمارات العربية المتحدة وقطر"، وتجاهلت باريس تماما، لتحيل على تصريح للصحفي "Frédéric Bobin" المبعوث الخاص لـ"لوموند" جاء فيه أن رسالة الرئيس الفرنسي الخرقاء تعد خرقا وانتهاكا للبروتوكولات، كما أنها تشكل "تحديا" للملك محمد السادس، إذ حسب الصحفي الفرنسي أذكى اختيار "إيمانويل ماكرون" مخاطبته المغاربة مباشرة الخلاف بين الرباط وباريس وزاد الطين بلة.
السن بالسن والعين وبالعين
ووفق "لوموند" فإن الرباط لم تعد تستسلم، وأنها تعامل باريس بمنطق "السن بالسن والعين بالعين"، إذ فيما تسمح وسائل الإعلام الفرنسية لنفسها، بابتداع مقالات حبلى بالأراجيف والأباطيل تهم الحياة الشخصية للملك محمد السادس، فإن وسائل الإعلام المغربية بدورها راحت تنبش في الحياة الخفية والخاصة للرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون"، في رد فعل طبيعي.
وكما أن باريس كانت وراء التوصية الغير ملزمة التي صدرت عن البرلمان الأوربي، في 19 يناير 2023، بشأن حقوق الأنسان وحرية التعبير، فإن المغرب فطن إلى أن فرنسا توجه له ضربات تحت الطاولة، وأن قصر الـ"إيليزي" يتآمر ضد مصالح المملكة الشريفة، ليقرر ترك منصب سفير المغرب شاغرا في باريس، إلى أجل غير مسمى ثم أبدى تجاهلا سافرا للسفير الفرنسي في الرباط.
وحسب "لوموند" فإن الأجواء كانت تسير نحو الهدوء في الصيف الماضي، خاصة مع المكالمة الهاتفية التي جمعت بين الملك محمد السادس و"إيمانويل ماكرون" في 21 غشت 2023، وقد كانت هذه المحادثة الهاتفية دافعا لمستشاري الرئيس الفرنسي من أجل محاولة رأب الصدع بين الرباط وباريس، لكن سرعان ما انتكس الوضع بعد ما حدث في خضم "زلزال الحوز"، لتطفو الخلافات بين الطرفين من جديد على السطح.
"الشتاء الطويل".. مستمر
وفق صحيفة "لوموند"، لطالما نشبت الخلافات بين المغرب وفرنسا، والطرفان سرعان ما كانا يجدان طريقا للجمع بينهما ومصالحتهما، لكن هذه المرة يبدو الأمر، أكثر تعقيدا، وبمثابة "شتاء طويل"، محيلة على أن مغرب 2023، هو مغاير تماما للمغرب الذي كانت تتعامل معه فرنسا قبل عقد من الزمن.
وحسب الصحفية الفرنسية فإن الموقف المغربي تقوى منذ اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء، وهو أمر جعله يضع القضية الأولى للمغاربة، فيصلا لتحديد الشركاء من دونهم، غير أن فرنسا لا تزال تتلكأ ولم تبرح بعد منطقتها الرمادية خوفا من استعداء النظام العسكري الجزائري.
أيضا، عرجت الصحيفة على الاتهامات الباطلة التي وجهها الإعلام الفرنسي للمغرب بشأن برمجية "بيغاسوس"، وكيف أن "إيمانويل ماكرون"، الرئيس الفرنسي تجرأ لطلب توضيحات من محمد السادس خلال محادثة هاتفية انتهت بوقت قصير، بحسب الروائي الفرنسي المغربي الطاهر بن جلون، الذي قال لصحيفة "لوموند" "لقد أعطى الملك كلمته الفخرية لماكرون بأنه لم يتجسس عليه، لكن الأخير أبدى تنطعا"، مما جعل الأمور تزيغ أكثر.
ثم إن هناك أزمة التأشيرات، التي لا تزال مستمرة منذ إعلان الحكومة الفرنسية في شتنبر 2021، عن تخفيض جذري في منح التأشيرات لمواطني الدول المغاربية، وهو أمر رأت فيه الرباط محاولة من فرنسا لإذلال المغاربة، لتحيل "لوموند" على أن كل هذا تزامن وتقوي اللحمة بين المغاربة وتعاضدهم، كما يظهر ذلك من خلال العديد من المناسبات سواء عند إثارة الجدل حول قضيتهم الأولى التي هي الصحراء المغربية أو حينما حقق المغرب إنجازا تاريخيا في كأس العالم قطر 2022، ثم "زلزال الحوز" الذي جسد طفرة خارقة للتضامن بين المغاربة جميعا.
الملك محمد السادس خط أحمر لكل المغاربة
وحسب "لوموند" فإن الملك محمد السادس يعد خطا أحمر لكل المغاربة، إذ يسود في فرنسا سوء فهم كبير لطبيعة العلاقة التي تربط بين العرش والشعب، إذ أن المغاربة يعتبرون الملكية أكثر من نظام بل هي ملاذ وكيان يوفر الأمن ويضمن الاستقرار.
وساقت "لوموند" تصريحات لـ"هشام الشامخ" المحلل نفسي من الرباط، الذي قال إن المغاربة يريدون التخلص من العلاقة مع فرنسا التي تحاول أن تتعامل بأبوية ووصاية طفولية، مؤكدا على أن المغاربة لا يروقهم تعامل الإعلام الفرنسي الشائن مع الملك محمد السادس، رمز وحدة البلاد، والذي يحتفظ لها المغاربة بمكانة مقدسة في عقولهم وقلوبهم، وهو الإعلام المغرر به الذي لا يفقه أن الإساءة إلى الملك تعد إساءة للمغاربة أجمعين.