أمينة المستاري
تحدث فريديريك وايسجربر، في الفصل الثاني من مؤلفه، عن السكان الحضر في الدار البيضاء، فعلى خلاف مدن كفاس والرباط وتطوان، كانت الغالبية من سكانها متحدرة من البادية التي قدمت منها هربا إما من ظلم القياد أو من الفقر الذي أحكم قبضه عليهم، فلم تكن لا مدينة حضرية كفاس والرباط وتطوان، ولا مدينة مخزنية كفاس ومراكش ومكناس، استطاعت أن تحتضن كل الفئات والأعراق والديانات.
كانت تشكيلة الأسر في الدار البيضاء عبارة عن نسبة كونت ثروة عن طريق التجارة، فيما الباقي عبارة عن أسر بروليتاريا مكونة حرفيين وصيادين وعمال وخدم...إضافة إلى عدد قليل من الموظفين والتجار المتحدرين من فاس والرباط الذين كونوا أسرا أرستوقراطية ذكية، متعلمة... لكنها متراخية كما وصفها الطبيب الفرنسي.
أما عن الأجهزة الإدارية فقد حددها الكاتب في القائد الذي كان بمثابة القاضي، والعسكري المتحكم في القوة العمومية، يساعده الخليفة أو المساعد، و"المخازنية" والحراس الليليين والمقدمين والدرك والعريفات أي الشرطة النسائية، ويحكي وايسجربر أن القائد كان يحكم ويجرم ويبرئ دون رقيب، وتخلى عن العقوبات الجسدية كقطع اليد والقصاص لكونها لم تكن تدر مداخيل، بعكس العقوبات المالية والسجنية.
وكان القاضي الشرعي في الدار البيضاء، مكلف من السلطان، يهتم بالشؤون العقارية والأمور المدنية للمسلمين، يساعده العدول. وفي الأمور المالية كان هناك موظفون كالمحتسب وهو بمثابة أمين التجار، وناظر الأحباس أي نائب السلطان يدبر المؤسسات الخيرية... وهي وظائف غير مؤدى عنها إلا أنها كانت مثار اهتمام البعض لما كانت توفره من مداخيل لمن يتقلدها...
لاحظ الطبيب الكاتب، أن الرشوة كانت السمة الغالبة على المعاملات التي كان يقوم بها بعض هؤلاء الموظفين، وميزت "النظام القديم بالمغرب"، ولم تكن هذه الأمور تغضب الأوربيين لأنهم كانوا يستفيدون منها في قضاء بعض أغراضهم، فقد كان العقار يثير اهتمامهم وقاموا أول الأمر ببناء عقارات يكترونها من "المخزن" قبل أن تتحول ملكيتها إليهم فيما بعد، وأصبحت لهم هيبة واعتبارا بعد أن أصبحت فئة كبيرة منهم تجارا، محميين من شطط القياد يتمتعون بالامتيازات ويخضعون لسلطة قناصلهم ما جعلهم محميين أمام القضاء، وكان المغاربة يحترمونهم ويطلقون عليهم اسم "سيدي"، وذهب بعض الأوربيين إلى حد بيع "بطائق الحماية"، ووصف الطبيب فريديريك بعض الممارسات اللامعقولة للأوربيين في تعاملهم سواء مع المواطن المغربي أو السلطة كالقايد ...فلم يكن المغربي يعرف بعد كلمة "العسكري الغازي" أو "البروليتاري الأوروبي"، يقول المؤلف.
من الفئات التي عاشت بالمغرب في تلك الحقبة، "اليهود" الذين يتكلمون العربية أو الأمازيغية حسب المناطق التي يعيشون فيها، ويقطنون المدن والقصبات الداخلية، ومنهم من قطن تطوان وطنجة بعد أن أخرجوا من إسبانيا أواخر القرن 15م، ويتكلمون الإسبانية، فيما عاشت بالمدن الساحلية فئة مختلطة من العنصرين.
كان وضع يهود المناطق الساحلية، أفضل من غيرهم في باقي المدن، لتشبههم بالأوربيين ولدعم التحالف الإسرائيلي العالمي لهم والجمعية الإنجليزية اليهودية، عكس من يعيشون في المدن الداخلية فقد كانوا يعيشون داخل الملاحات المسورة بأسوار عالية يحبسون داخلها في فترة المساء،
يقوم "الحزان" بدور الشرطي والمقدم، كما فرض عليهم لباس أسود، كما حرموا من القيام بأمور عديدة، سخروا في أعمال والسخرات كالحفر...ويتعرضون لمعاملات مذلة حقيرة، مما جعل الأوبئة تنهشهم ورغم ذلك تناسلوا وتزايد عددهم، لكن بعضهم تمكن من تحسين وضعيته بفضل المصارفة مع الشخصيات الرفيعة وللسلطان وتقلدوا مناصب هامة، وتعلموا اللغات خاصة الفرنسية.
في تلك الفترة، كانت فئة السود المتحدرين من السودان ولذين جلبتهم القوافل أو ولدوا في المغرب، قلة قليلة في البوادي، بعكس المدن كمكناس ومراكش، وتحولت تجارة الرقيق من السودان إلى مناطق سوس ودرعة عبر اختطاف الأطفال من ذوي البشرة السمراء رغم كونهم مسلمين أحرارا.