أمينة المستاري
أتيحت للطبيب الفرنسي قضاء فترة بالمحلة "صخرة الدجاجة" أو مدينة القماش،، وبالتالي الاطلاع على تشكيلة المخزن، وتمكن من "النفوذ" والاطلاع عن قرب على دواليب المخزن، والتعرف على الصدر الأعظم وبعض رجالات الدولة لكن الأهم لقاؤه الأول بالسلطان مولاي عبد العزيز.
كان السلطان شابا في قرابة العقد الثاني، يسرد فريديريك، خلف والده مولاي الحسن لكونه الابن المفضل لديه، يحكي فريديريك أحداث الإنقلاب الذي تزعمه أحمد بن موسى مباشرة بعد وفاة مولاي الحسن، وظروف اعتقال الصدر الأعظم الحاج المعطي الجامعي، بدعم من الجيش وشرفاء فاس وعلمائها، كما اعتقل شقيقي مولاي عبد العزيز الكبيرين، وقام ببيعة الأخ الصغير تنفيذا لرغبة والده مولاي الحسن، ونصب نفسه وصيا عليه، فيما استقر السلطان الشاب بمراكش لا يخرج من قصره إلا في المناسبات والأعياد الدينية.
عمل بن موسى على تغييب السلطان عن الإلمام بشؤون الدولة، خاصة وأن الامبراطورية عرفت استقرارا، باستثناء بعض العمليات العسكرية البسيطة، وبقي الصدر الأعظم موجها للسياسة الداخلية حتى اعتبر سيد المغرب الحقيقي والوحيد، فقد وصفهالجاسوس الفرنسي:" كان ذو طاقة لا تفتر شغوف بالسلطة نهما إلى الثروة، شديدا على أعدائه لطيفا بمن يصادقه وقد كان الطبيب أحدهم."
لم يكن الصدر الأعظم مهتما بالتعرف على أوربا ودول "النصارى"، لكنه بالمقابل كان ملما بسوس والزوايا الدينية، خبيرا بها، لذلك يعرف كيف يستفيد منها بشكل يضمن له هيمنة على البلاد، فقد كان مهابا يخافه الجميع لكن الجانب الآخر من شخصيته أنه يخاف من الاغتيال، لا ينام في مكان بشكل دائم، ولا يأكل إلا من مطبخ ويد أخيه الذي يتكفل بتذوقها وإرسالها إليه "مختومة". على المستوى السياسي
تعرف فريديريك كان إلى جانب الصدر الأعظم أربع وزراء كوزير البحر، وزير الشكايات، وزير المالية أو الخازن العام ، وزير الحربية أو أمين الصندوق المكلف بتدبير رواتب الجنود.
يعود تأسيس المخزن المركزي، للسلطان يعقوب المنصور، قام الطبيب بوصف دقيق لدور كل وزير ومواصفاته ونقط ضعفه، وكذا نوعية المداخيل والضرائب التي كان المخزن يجتبيها من زكوات وأعشار ومكوس وأتاوات والغرامات والفديات...وطريقة أداء الرواتب بعملة "الدورو"...
كان المخزن مشكلا من موظفين سامين كالحاجب أو أمين القصر، حارس الخاتم الشريف، قايد المشور، عامل دار المخزن، قائد الحرس الشريف وكبير المحلة أي قائد المعسكر، وكبير الطبجية أي رئيس الرماة...لكل موظف مهامه داخل القصر، أما طاقم الخدم العاملين في الداخل والخارج يتحدرون من قبائل الكيش، هم في معظمهم فرسان يشكلون حرسا للسلطان.
لم ينسى فريديريك الحديث عن أهمية الشرفاء والأولياء ودورهم في "الحركة"، ومنهم من تربطهم علاقة قرابة مع السلطان لذلك كانوا سندا له، وتحدث في مؤلفه عن دور القياد والباشاوات الذين تفنن في وصف ملامحهم وطبعهم فردا فردا، كالقايد سي عيسى بن عمر العبدي، عبد المالك المتوكي، الطيب الكندافي، الباشا ابن داود...