كعبة مساكين المغرب: حج المسكين ...طواف ومناسك دون قرعة ولا سفر

أمينة المستاري
اعتاد فقراء بعض المناطق بالمغرب، في الثمانينات من القرن الماضي، أن يمارسوا طقوس الحج بطريقتهم الخاصة، لعدم استطاعتهم دفع مصاريف القرعة والتوجه إلى الديار المقدسة لأداء مناسكه، فيقومون بمحاكاته دون أن يغادروا أماكنهم وقبيلتهم.
بسوس مثلا، كان سكان سيدي الرباط بإقليم اشتوكة آيت باها في التاسع من ذي الحجة، يقصدون مسجد سيدي الرباط جيث يقام موسم "تاعرافت"، لممارسة طقوس يعتقدون أنها توازي أداء فريضة الحج من وقوف بعرفة وطواف وتكبير وتهجد...دون أن يتكبدوا مصاريف القرعة والإقامة والسفر إلى الديار المقدسة..وبعد الانتهاء يعودون إلى منازلهم وفي اعتقادهم أنهم قد طهروا أنفسهم وعادوا صفحة بيضاء.
ففي يوم عرفة، كان الحجاج البسطاء يقفون ب"مسجد رباط ماسة" الذي اختفت جل معالمه تحت الرمال ولم يعد يظهر منه سوى "حجر يونس"، الذي يتبرك به حجاج ماسة ويعتقدون أن لمسه يشفي الأمراض، لكن هذه الطقوس اختفت مع مرور الوقت، ولم تعد طوافا بدنيا بقدر ما هي لحظات للدعاء في الفترة التي تزامن مع الوقوف بعرفة بالبيت الحرام، لذلك أطلق عليه البعض اسم "الحج الصغير" لأن من يحج هنا لا يعتبر حاجا بخلاف "الحج الكبير" بالسعودية، كما أن هذا النوع من الحج عرف اختلاف الفقهاء فمنهم من أجازه لمن فقد الاستطاعة ومنهم من حرمه، خاصة وقد ارتبطت به بعض عادات الشعودة من قبيل إدخال النساء قصبا في أثقاب حجر يونس ووضع بذور الشعير والقمح والذرة طمعا في الزواج أو الإنجاب.
تستمر مدة الحج ثلاثة أيام، يعقد بالمنطقة موسم هو نقطة للرواج الاقتصادي، بل مناسبة دينية واجتماعية يحرص خلالها "الحجاج" على محاكاة مجموعة من المناسك، لقناعتهم أن الحج لمن استطاع إليه سبيلا ومن لم يستطع فيمكنه قصد الأولياء والصالحين والقيام بمحاكاة لطقوس وشعائر الحج بأقل ثمن ودون التنقل خارج المغرب، كالطواف والتهليل والانتقال من مكان تجمع الزوار أو الحجاج إلى الزاوية، الصوم...
وكان أهل المنطقة يعتقدون أن من حج ثلاث مرات لهذا المزار كمن حج بيت الله الحرام ، وهو ما اعتبره بعض الفقهاء من مخلفات الجاهلية الأولى.