في مشهد سياسي مشحون بالتوتر والجدل، يواجه وزير العدل عبد اللطيف وهبي انتقادات لاذعة من المعارضة البرلمانية والمحامين.
وتتركز الانتقادات حول التعديلات الجديدة في قانون المسطرة المدنية، والتي تعتبرها المعارضة تهديداً للأمن القانوني والقضائي، كما يؤكد المحامون أنها تضر بمبدأ المجانية في التقاضي وتقيّد الحق في الوصول إلى العدالة.
في مؤتمر صحفي عقده حزب العدالة والتنمية بالرباط، أعرب عبد الله بوانو عن قلقه من أن التعديلات تميز بين المواطنين وأشخاص القانون العام، وتؤثر سلباً على مبدأ التقاضي على درجتين، وتحد من دور المحامي.
وأشار بوانو إلى أن المصادقة السريعة على تسعة مشاريع قانونية، دون منح الوقت الكافي لمناقشتها، تثير تساؤلات حول الغاية الحقيقية من هذه السرعة، ملمحاً إلى احتمال وجود "تعديل حكومي مرتقب" أو "احتجاجات" في الأفق.
وأبرز بوانو أن حزبه تقدم بـ 154 تعديلاً على مشروع القانون، مستنداً إلى خطابات الملك والدستور والحوار الوطني والمواثيق الدولية.
ومع ذلك، أوضح المتحدث ذاته أن حزبه فوجئ بنتائج التصويت التي اعتبرها لا تعزز القضاء، بل تهدد استقلاليته وتحرم شريحة من المواطنين من الوصول إلى العدالة.
من بين النقاط المثيرة للجدل التي أشار إليها بوانو، كانت المادة 17 التي تتيح فتح قضايا انتهت جميع مراحل التقاضي فيها، من قبل النيابة العامة، حتى بعد مرور سنوات طويلة.
وأوضح بوانو أن المادة تحتوي على فقرتين خطيرتين؛ الفقرة الأولى تسمح للنيابة العامة بطلب بطلان أي قرار قضائي يخالف النظام العام دون التقيد بآجال الطعن، أما الفقرة الثانية فتتيح الطعن أمام المحكمة المصدرة للقرار بناءً على أمر كتابي يصدره الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض تلقائياً.
كما انتقدت المعارضة البرلمانية، خلال الجلسة الأخيرة بمجلس النواب، بشدة مشروع قانون المسطرة المدنية، معتبرةً أنه يضيق على حق الدفاع وينتهك الدستور المغربي.
وأكدت هند الرطل بناني، النائبة البرلمانية عن المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، أن المشروع يتضمن تمييزاً بين المواطنين وأشخاص القانون العام، وتفرض غرامات تعيق الوصول إلى العدالة.
وأوضحت بناني أن المشروع يفرض سقفًا ماليًا للولوج إلى القضاء، ويقيّد حق الدفاع من خلال نصوص متعددة، ما يشكل انتهاكًا لمبادئ المحاكمة العادلة.
مشيرة إلى أنه “لا يجوز الحد من حق اللجوء إلى القضاء من خلال فرض غرامات تتراوح بين 10,000 و 20,000 درهم، خصوصًا وأن اللجوء إلى القضاء ليس مجانيًا في المغرب”.
كما أعربت عن استغرابها لسرعة مناقشة المشروع، معتبرة أن وزارة العدل لم تحسم بعد في العديد من القضايا التنظيمية ذات الصلة.
من جهتها، انتقدت نهى موساوي، عن فريق التقدم والاشتراكية، المشروع لتراجعه عن مبادئ دستورية، ولأنه يقيد حق التقاضي ويضع عقبات أمام الوصول إلى العدالة.
وأبرزت موساوي أن تعريف "الوكيل" في المشروع ظل غامضًا، وأن طرق الطعن جاءت متفرقة ولم يتم تجميعها بشكل منظم، مما يعرقل صراحة طرق الطعن.
وأوضحت المتحدثة ذاتها، في كلمتها خلال أشغال الجلسة، أن الحكم بالغرامة تلقائيًا عند رفض الطلب أو عدم قبوله، يعد تجاوزًا لشروط المحاكمة العادلة ويشكل حرمانًا وتعسفًا على ممارسة حق التقاضي.
ودعت ذات المتحدثة إلى إيجاد وسائل تضمن تنفيذ الأحكام القضائية، مشيرة إلى أن عدم تنفيذ الأحكام من قبل الدولة يمثل تنكّرًا لحقوق المواطن.
كما أبرزت ذات المتحدثة أن هناك تقليصًا للدور الرقابي لمحكمة النقض على بعض الأحكام التي يمكن أن تطالها خروقات، معتبرة ما جاء في المادة 502 من المشروع يعتبر تعسفًا تشريعيًا وشططًا في تجاوز الدستور، خاصة الفصل 126 منه.
وفي المقابل، أعلن المكتب الوطني لجمعية هيئات المحامين بالمغرب، تنظيم وقفة وطنية يوم السبت 27 يوليوز الجاري، أمام قبة البرلمان، تعبيرًا عن رفضها لمقتضيات قانون المسطرة المدنية المصادق عليه.
وطالبت الجمعية في بلاغ لها، من عموم المحاميات والمحامين التعبئة الفورية لإنجاح هذه المحطة النضالية الأولية.
ودعت الجمعية إلى وضع شارات حمراء على البذل بداية من يوم 29 يوليوز الجاري، مشيدة بالاستجابة المنقطعة النظير لما سبق تقريره من توقف عن العمل خلال الأيام الثلاثة السابقة.
كما أوصى مكتب الجمعية بتأجيل كل الجموع العامة السابق الإعلان عنها من قبل مجالس الهيئات.
وحذر المحامون مرارًا وتكرارًا من العواقب الوخيمة متعددة الأبعاد التي قد تترتب على إصرار الحكومة غير المفهوم على تمرير مشروع يمس بشكل خطير المكتسبات الوطنية في مجال العدالة، مؤكدين أن تداعياته ستكون كارثية.