المشاريع الكبرى في الدار البيضاء.. وعود متبخرة وغضب متزايد

على الرغم من الوعود المتكررة والمشاريع الضخمة التي تم إطلاقها بهدف تحسين جودة الحياة في مدينة الدار البيضاء، يبدو أن المدينة لا تزال عالقة في سلسلة من التأخيرات غير المبررة، التي تثير تساؤلات المواطنين وتغذي شعورهم بالإحباط والشك.
على رأس هذه المشاريع، يقف المسرح الكبير الذي أنفقت عليه الدولة مليارات الدراهم، لكنه ما زال مغلقًا دون أي تفسير واضح.
لقد كان هذا المشروع بمثابة حلم للكثير من الفنانين والمواطنين، حيث يهدف إلى أن يكون منارة ثقافية في قلب المدينة، بقدرته على استيعاب ما يزيد عن 3000 مشاهد في مختلف قاعاته المجهزة بأحدث التقنيات.
إلا أن هذا الحلم لا يزال بعيد، بعد عدم قيام جماعة الدار البيضاء باستقطاب الجهات التي ستدبر هذه المعلمة الثقافية، مما يدفع بالعديد من الفاعلين المدنيين إلى التساؤل: لماذا لم يفتح المسرح أبوابه بعد؟.
وأنجز المسرح الكبير بغلاف مالي ناهز 144 مليار سنتيم، ويتوفر على قاعة للعروض الفنية بـ1800 مقعد وأخرى للعروض المسرحية بـ600 مقعد وقاعة للموسيقى الحديثة تتسع لأزيد من 300 شخص، مع قاعات صغيرة للتمرين و4 قاعات للاجتماعات وموقف سيارات تحت أرضي يتسع لـ173 سيارة، مع فضاءات تجارية بالداخل وجناح للفنانين.
وفي الوقت نفسه، يتواصل الغموض حول مصير حديقة الحيوانات بعين السبع، التي كانت واحدة من أهم المعالم السياحية في المدينة. ورغم انتهاء التجديدات والتجهيزات الحديثة، إلا أن الافتتاح الرسمي لا يزال ينتظر تحديد موعد محدد.
لقد استغرق تجديد هذه الحديقة عدة سنوات، وخصصت لها ميزانيات ضخمة، في حين ينتظر المواطنون بفارغ الصبر اليوم الذي سيتمكنون فيه من زيارة هذه الحديقة الجديدة.
من جهة أخرى، يعاني مشروع الترامواي، الذي يعتبر شريان النقل الحديث في المدينة، من تأخيرات مماثلة. وعلى الرغم من استكمال أعمال البنية التحتية وتجهيز المحطات، إلا أن الخطين الثالث والرابع لم يتم تشغيلهما بعد، ما يثير غضب واستياء السكان الذين يعتمدون على الترامواي للتنقل اليومي.
وتعالت أصوات المعارضة والفاعلين المدنيين، مؤخرا، غاضبة ومستاءة من تأخر غير مبرر يلف افتتاح مشاريع كانت قد وعدت بتغيير وجه المدينة.
فالمسرح الكبير، الذي أنفق عليه مليارات الدراهم ليكون منارة ثقافية، لا يزال أبوابه موصدة، تاركًا العديد يتساءلون عن السبب الحقيقي وراء هذا التأخير الغامض.
أعضاء المعارضة لم يترددوا في التعبير عن استيائهم، مؤكدين أن ما يحدث ليس بالأمر العادي. فهم يرون أن هذه المشاريع الكبرى، كان من المفترض أن تُدرس بعناية قبل إطلاقها، مع الأخذ في الاعتبار كل التفاصيل من البداية إلى النهاية، لضمان إنجازها في الوقت المحدد.
وحسب المصادر ذاتها، فإنه تم التوقيع على الاتفاقيات دون معرفة دقيقة بالعقارات المرتبطة بالمشاريع، أو بالجهات التي ستديرها بعد اكتمالها، أو حتى بطرق التمويل.
ومع مرور الوقت، تصاعدت حالة الاستياء بين الفاعلين المدنيين في المدينة، متسائلين كيف يُعقل أن يبقى المسرح الكبير مغلقًا رغم جاهزيته منذ فترة ليست بالقصيرة؟ إن هذا التأخير غير المبرر أثار غضبًا عارمًا بين الهيئات المدنية والمواطنين على حد سواء، الذين لم يجدوا تفسيرًا مقنعًا لصمت المجلس الجماعي عن هذا المشروع الضخم، الذي استنزف الكثير من المال والجهد، لكنه لم يرَ النور بعد.
في ظل هذا الغموض، بدأت نداءات المواطنين والفاعلين المدنيين تتجه نحو والي جهة الدار البيضاء-سطات، محمد امهيدية، مطالبين إياه بالتدخل الفوري لإعطاء التعليمات اللازمة لافتتاح هذا الصرح الثقافي الذي طال انتظاره.
في خضم هذا الجدل، كشف مصدر من داخل جماعة الدار البيضاء للجريدة 24 أن تأخير إطلاق خدمة الخطوط الجديدة للترامواي ليس ناجمًا عن أعطاب تقنية، بل هو مجرد مسألة وقت.
وأكد المصدر ذاته أن الأيام المقبلة ستكون حاسمة، مشيرًا إلى أن المشروع لا يعاني من أي اختلالات تذكر، وأن كل شيء يسير وفق المخطط.
وفي إطار التحضيرات لإطلاق الخطوط الجديدة، أضاف المصدر أنه من المتوقع أن تشهد هذه الخطوط تسعيرة جديدة تصل إلى 9 دراهم، وهي التسعيرة التي تم المصادقة عليها مسبقًا.
ومن المرتقب أن يعبر الخط الثالث للترامواي من أحياء درب السلطان وشارع محمد الخامس مرورا بشارع إدريس الحارثي، وسيمتد على 14 كيلومترا، بأزيد من 20 محطة.
فيما يربط الخط الرابع بين أحياء مولاي رشيد وساحة النصر وشارع رحال المسكيني وسيدي عثمان ولالة مريم، كما يمتد الخط الثالث على 14 كيلومترا، فيما يصل الخط الرابع إلى 12,5 كيلومترا، بمجموع 33 محطة جديدة.
وبشأن حديقة الحيوانات عين السبع؛ ووفقا لمصادر الجريدة 24، فإن الجهات المكلفة بالحديقة ستشرع في استقبال الحيوانات الجديدة ابتداءً من الأيام القليلة المقبلة، حيث ستخضع جميع الحيوانات لفترة حجر صحي وإجراءات تجريبية لضمان سلامتها وملاءمتها للبيئة الجديدة.
وأضافت المصادر نفسها أن المجلس يراهن على استقبال 45 نوعاً من أجود أصناف الحيوانات العالمية، بهدف تعزيز هذا الموروث الثقافي الذي يمتد لأكثر من 80 عاماً.
كما أكدت ذات المصادر أن عمدة الدار البيضاء تتجه لبرمجة مختلف النقاط المتعلقة بالتدبير خلال الدورة الاستثنائية المقبلة، قبل الافتتاح الرسمي.
ووقع الاختيار على شركة "دريم فيلاج" لتولي التدبير المفوض لحديقة الحيوانات عين السبع، التي تعتبر تراثاً لمدينة الدار البيضاء منذ أزيد من 80 سنة، بعدما فرضت الجمعيات الدولية البحث عن شركة لتدبير هذا المرفق.
وتبلغ مساحة حديقة الحيوانات عين السبع بالدار البيضاء، 13 هكتارا، ضمنها 10 هكتارات للحيوانات، بالإضافة إلى 3 هكتارات كمرافق للترفيه.
وساهمت بنسبة كبيرة في تهيئة هذه الحديقة وزارة الداخلية، ممثلة في المديرية العامة للجماعات المحلية، بمبلغ يناهز 130 مليون درهم، ثم جماعة الدار البيضاء بمبلغ 80 مليون درهم، وكذا جهة الدار البيضاء سطات بمبلغ 40 مليون درهم.
ويبقى السؤال الكبير الذي يشغل بال الجميع: هل ستتمكن الدار البيضاء من تحويل حديقة عين السبع إلى وجهة سياحية بارزة تستقطب الزوار من داخل وخارج المغرب؟ الأيام القادمة ستكشف لنا المزيد.