عمدة الدار البيضاء تراهن على تغيير وجه درب السلطان

وسط أزقة "درب السلطان"، حيث يمتزج عبق التاريخ مع تفاصيل الحياة اليومية، يبدو أن هذه المنطقة التي تعد واحدة من أقدم الأحياء بالدار البيضاء على وشك أن تشهد تحولاً جذريًا لم يكن يتوقعه الكثيرون.
هذا الحي الذي اشتهر بتراثه العريق وشوارعه الضيقة المليئة بالحكايات، لم يكن في السنوات الأخيرة سوى صورة مؤلمة لما تتركه العقود من إهمال وتردي البنية التحتية.
وتسعى عمدة الدار البيضاء، نبيلة الرميلي، خلال الجلسة الثانية لدورة أكتوبر، إلى إقرار مشاريع طموحة من شأنها أن تعيد الروح إلى درب السلطان، الحي العريق الذي ينتظر بفارغ الصبر لحظة التحول الكبير.
هذه المشاريع تعد بمستقبل مشرق للمنطقة، حيث تهدف إلى تحسين البنية التحتية وتعزيز الجانب الاجتماعي والثقافي، مما يعيد الحياة إلى شرايين هذا الحي التاريخي.
أحد أبرز مظاهر هذا التحول هو إنشاء "مركز درب السلطان لمحاربة الإدمان"، وهو ليس مجرد مشروع تنموي عابر، بل يمثل خطوة جريئة لمواجهة واحدة من أعقد التحديات الاجتماعية التي تعاني منها المنطقة.
فقد أصبح الإدمان مصدر قلقٍ كبير للسكان، ليس فقط بسبب تأثيره السلبي على الأفراد والعائلات، بل أيضًا لما يرافقه من مشكلات أمنية واجتماعية تهدد استقرار الحي.
هذا المركز الجديد سيصبح ملاذًا للشباب الذين غرقوا في دوامة الإدمان، وملاذًا لعائلاتهم التي لطالما كانت تبحث عن بصيص أمل.
وسيحتوي المركز على أحدث وسائل العلاج والتأهيل، ليكون بمثابة شعاع ضوء وسط ظلام الإدمان المستشري.
ولأن المشكلات الاجتماعية لا تأتي منفردة، كان لا بد من التفكير في النساء اللواتي يتحملن العبء الأكبر في هذه المعركة اليومية من أجل البقاء.
وضمن الخطة الجديدة للمجلس الجماعي الحالي، سيتم إنشاء مركز اجتماعي مخصص للنساء في وضعية صعبة، يهدف إلى تمكينهن من تحسين حياتهن عبر برامج تدريبية ودعم نفسي ومهني.
هذه الخطوة تعد ثورة صغيرة في حياة الكثير من النساء، اللواتي طالما عانين بصمت من ظروف معيشية قاسية في بيئة تفتقر إلى الدعم الاجتماعي الملائم.
إلى جانب المشاريع الاجتماعية، تمتد الخطة الطموحة لتشمل الجانب الثقافي، حيث يُنظر إلى "درب السلطان" على أنه ليس مجرد حي شعبي، بل ذاكرة حية لتاريخ الدار البيضاء.
وفي هذا السياق، سيتم إنشاء مكتبة وسائطية حديثة في قلب الحي، توفر للسكان فرصة لا تعوض للوصول إلى المعرفة والتعلم الرقمي. هذه المكتبة ستكون نقطة التقاء بين الماضي والحاضر، بين الأجيال القديمة التي عاشت في الحي والأجيال الجديدة التي تبحث عن مستقبل أفضل.
وعلى خط موازٍ، سيتم إنشاء مركز ثقافي للتعريف بتراث الحي، حيث سيتسنى للزوار والمقيمين على حد سواء التعرف على القصص التي شكلت هوية هذا المكان على مر العصور.
إحدى أبرز المعالم التي سيشملها هذا التحول الكبير هي "سينما موريتانيا"، التي كانت لعقود مصدرًا للبهجة والترفيه لسكان الحي قبل أن تغلق أبوابها لسنوات طويلة.
وتراهن عمدة الدار البيضاء على تحويل هذا المكان العريق إلى مركز مجتمعي متعدد التخصصات، حيث ستقام فيه أنشطة ثقافية وفنية، مما سيعيد للسكان مساحة كانوا قد فقدوها ويمنحهم فرصة جديدة للاجتماع والتفاعل في بيئة ثقافية نابضة بالحياة.
لكن لا يمكن الحديث عن "درب السلطان" دون أن نتطرق إلى الدور الكبير الذي يلعبه الشباب في مستقبله.
ولتحقيق ذلك، تعمل الجماعة على إنشاء مركز للشباب المقاولين في مقاطعة الفداء، وهو خطوة تسعى إلى دعم الشباب الطموحين الذين يرغبون في بدء مشاريعهم الخاصة. هذا المركز لن يكون مجرد مكان لتقديم الاستشارات والدعم المادي، بل سيصبح مختبرًا للأفكار، حيث سيتمكن الشباب من تجريب مشاريعهم وتطويرها تحت إشراف خبراء في مجال ريادة الأعمال.
هذا الاستثمار في الشباب هو استثمار في مستقبل الحي والمدينة ككل، إذ يسعى إلى خلق جيل جديد من القادة الاقتصاديين الذين يستطيعون المساهمة في تطوير مجتمعاتهم.
ومن بين المعالم التي ستشهد تجديدًا كبيرًا هي "ساحة السراغنة"، التي تعتبر القلب النابض للحي. بفضل خطة إعادة التأهيل، ستحافظ هذه الساحة على رونقها التاريخي، بينما تتم إضافة تحسينات تجعلها أكثر انسجامًا مع احتياجات السكان الحاليين.
وستتحول الساحة إلى مساحة مفتوحة تجمع بين الجمال والتاريخ، حيث يمكن للسكان الاستمتاع بوقتهم والمشاركة في الأنشطة الاجتماعية والثقافية التي ستنظم بها.