المعارضة تضع مشروع مالية 2025 تحت المجهر.. هل يستجيب لتطلعات المغاربة؟

الكاتب : انس شريد

19 أكتوبر 2024 - 10:30
الخط :

في خضم نقاش حاد ومستمر، أثار مشروع قانون المالية لسنة 2025 الذي قدمته الحكومة المغربية أمام البرلمان موجة من الانتقادات الحادة من قبل المعارضة، التي وصفت مؤشرات المشروع بأنها غير واقعية وتعوزها الدقة.

ووسط تبادل الاتهامات والانتقادات، أصبح هذا القانون محور جدل سياسي واقتصادي، قد يمتد تأثيره إلى الشارع المغربي الذي يعيش أجواء من الترقب والقلق بشأن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.

في تصريحات صحفية لوسائل الإعلام، اعتبر إدريس السنتيسي، رئيس الفريق الحركي بمجلس النواب،أن مشروع قانون المالية لعام 2025 لا يقدم حلولًا فعلية للتحديات الرئيسية التي تواجه المواطنين، خصوصاً فيما يتعلق بالتشغيل والقدرة الشرائية.

وأوضح أن موضوع البطالة ما زال مطروحاً بقوة دون أن يجد حلولاً ملموسة من قبل الحكومة، مما يزيد من تعقيد الأزمة الاقتصادية.

وأضاف السنتيسي أن الأرقام التي قدمتها الحكومة حول نسبة النمو والتضخم مبالغ فيها إلى حد كبير، معتبراً أن الحكومة مطالبة باتباع سياسة "الوضوح مع المغاربة"، وذلك عبر الكشف عن الأرقام الإيجابية والسلبية بدقة وشفافية بعيداً عن تقديم وعود لا أساس لها في الواقع.

السنتيسي لم يكن الوحيد الذي وجّه سهام النقد نحو الحكومة. عبد الله بوانو، رئيس فريق حزب العدالة والتنمية بمجلس النواب، أبدى أيضاً استياءه من مشروع قانون المالية، واصفاً إياه بأنه "مخيب لآمال المغاربة على جميع المستويات".

وأكد بوانو على هامش أشغال تقديم الخطوط العريضة لمشروع قانون المالية 2025. أن المشروع تجاهل تماماً معالجة مشاكل القدرة الشرائية التي تدهورت بشكل كبير في الآونة الأخيرة.

كما أضاف أن الحكومة تواصل تجاهل ملف مكافحة الفساد، مشيراً إلى أن التقارير الأخيرة كشفت عن أرقام صادمة حول الفساد الإداري والفساد في الاستثمارات، ومع ذلك لم تتطرق الحكومة إلى هذه القضايا بأي طريقة عملية أو فعالة في مشروعها الجديد.

فيما يتعلق بالتشغيل، وصف بوانو الخطط الحكومية بأنها "وعود وهمية"، مشككاً في قدرتها على تحقيق أهدافها المعلنة. وأوضح أن حجم الاستثمارات تقلص في المشروع الحالي، حيث تم تخصيص 340 مليار درهم فقط، وهو ما يتعارض مع ما تروج له الحكومة حول خلق فرص عمل جديدة.

واعتبر بوانو أن الحكومة تواصل تقديم وعود فارغة، خاصة في مجال خلق فرص العمل عبر القطاعات الصغيرة والمتوسطة، دون تقديم خطط ملموسة على أرض الواقع.

وأضاف أن 28 ألف منصب التي تم إحداثها في القطاع العمومي غير كافية لمواجهة أزمة البطالة المتفاقمة.

بوانو لم يتوقف عند هذا الحد، بل انتقد أيضاً تجاهل الحكومة لملف التقاعد الذي وصفه بالملف الكبير والمهم.

وأكد أن مشروع قانون المالية لسنة 2025 لم يتطرق إلى أي حلول أو إصلاحات في هذا الملف الذي يخص شريحة كبيرة من المغاربة، ما يزيد من حدة التوتر الاجتماعي والاقتصادي.

في المقابل، دافعت وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح العلوي، عن مشروع قانون المالية بقوة، مؤكدة أنه يعتمد على أولويات واقعية تهدف إلى معالجة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه المملكة.

وخلال تقديمها الخطوط العريضة للمشروع أمام البرلمان، أوضحت الوزيرة أن الحكومة تعمل على أربعة رهانات كبرى تتمثل في "مواصلة تعزيز أسس الدولة الاجتماعية"، و"توطيد دينامية الاستثمار وخلق فرص الشغل"، و"مواصلة الإصلاحات الهيكلية"، بالإضافة إلى "الحفاظ على استدامة المالية العمومية". وأكدت أن هذه التوجهات مبنية على نتائج ومكتسبات تم تحقيقها خلال النصف الأول من الولاية الحكومية.

الوزيرة فتاح العلوي أوضحت أيضاً أن المشروع جاء في ظل ظروف اقتصادية عالمية صعبة يغلب عليها عدم اليقين، وذلك بسبب التوترات الجيوسياسية وتداعيات الأزمات المناخية، التي أثرت سلباً على الاقتصادات العالمية.

وأشارت إلى أن معدل النمو العالمي لن يتجاوز 3.2% خلال سنتي 2024 و2025، في حين أن الاقتصاد الوطني سيحقق نمواً بنسبة 3.3% مع نهاية سنة 2024، مدفوعاً بزيادة النشاط في القطاع غير الفلاحي الذي من المتوقع أن يشهد نمواً بنسبة 3.7%.

وأضافت الوزيرة أن هذا التحسن سيساهم في تقليص عجز الميزانية إلى 4% سنة 2024، بعد أن بلغ 5.4% سنة 2022 و4.3% سنة 2023، مشيرة إلى أن الموارد الضريبية ارتفعت بنسبة 11.9% نهاية شتنبر 2024، وهو ما ساهم في تحسين الوضعية المالية العامة.

وعلى الرغم من هذه المؤشرات التي قدمتها الحكومة، استمر السنتيسي وبوانو في التعبير عن شكوكهما حول قدرة المشروع على تحقيق أهدافه. السنتيسي شكك في نسبة النمو المتوقعة بـ 4%، معتبراً أن الأرقام التي قدمتها الحكومة لا تنسجم مع الواقع الاقتصادي الراهن، خاصة في ظل تضخم مرتفع واستمرار ارتفاع الأسعار.

من جانبه، انتقد بوانو نسبة التضخم المتوقعة بـ 2%، مشيراً إلى أن الواقع يعكس تضخماً أعلى بكثير، ما يزيد من صعوبة الحياة اليومية للمواطنين ويضعف قدرتهم الشرائية.

فيما يتعلق بالاستثمار، كانت الحكومة قد خصصت ميزانية تصل إلى 340 مليار درهم، مع تعهد بتوجيه 14 مليار درهم نحو ثلاثة محاور رئيسية لخلق فرص عمل. إلا أن المعارضة ترى أن هذه المبالغ غير كافية لتحقيق الأهداف المعلنة.

فقد أشار بوانو إلى أن الحكومة لم تحدد أي مناصب للشغل في المقاولات الصغيرة والمتوسطة والصغيرة جداً، ما يضعف فرص خلق وظائف جديدة في هذا القطاع الحيوي.

وفي خضم هذا الجدل، يظل ملف التقاعد من أبرز القضايا التي أُغفلت في مشروع قانون المالية لسنة 2025.

ورغم أن هذا الملف يمس شريحة واسعة من المجتمع، إلا أن الحكومة لم تقدم أي حلول أو مقترحات ملموسة للتعامل مع الأزمة التي يواجهها نظام التقاعد في المغرب.

من جهة أخرى، أكدت الوزيرة فتاح العلوي أن الحكومة حققت العديد من الإنجازات خلال النصف الأول من الولاية الحكومية، مشيرة إلى تعميم الحماية الاجتماعية، وتسريع إصلاح النظام الصحي، وتعزيز المنظومة التعليمية.

وأوضحت أن هذه الإصلاحات تأتي في إطار مساعي الحكومة لتحسين الظروف المعيشية للمغاربة وتعزيز التنمية الاقتصادية. كما أشارت إلى أن الحكومة نجحت في إخراج ميثاق الاستثمار، الذي يهدف إلى تحسين مناخ الأعمال وتعزيز الأدوار التي تلعبها المراكز الجهوية للاستثمار.

وأبرزت الوزيرة أن كل هذه الجهود تأتي في إطار تدبير دقيق للتوازنات المالية، الذي يضمن استثمار الإمكانيات المتاحة دون تعريض البلاد لمخاطر الانزلاق المالي.

وأكدت أن ميزانية الاستثمار ارتفعت من 245 مليار درهم سنة 2022 إلى 335 مليار درهم سنة 2024، وهو ما يعكس التزام الحكومة بتحقيق النمو المستدام.

وسط هذا الصراع بين الحكومة والمعارضة، يبقى السؤال الكبير هو مدى قدرة الحكومة على تجاوز هذه الانتقادات وتقديم حلول فعلية تعالج التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه المغاربة.

آخر الأخبار