أول مواجهة للوزير البواري تحت قبة البرلمان.. أسعار الزيتون واللحوم تشعل الانتقادات

في أول ظهور له تحت قبة البرلمان، وجد وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، أحمد البواري، نفسه في مواجهة أمواج عارمة من الانتقادات البرلمانية بشأن ارتفاع أسعار زيت الزيتون واللحوم الحمراء، ليشهد البرلمان جلسة ساخنة تخللتها تساؤلات مثيرة ومداخلات صريحة حول فعالية السياسات الزراعية في البلاد.
هذه الانتقادات الحادة لم تكن مجرد اعتراضات اعتيادية، بل حملت في طياتها مطالب شديدة تدعو إلى إعادة النظر في مخططات الدولة الزراعية، خصوصاً "المغرب الأخضر"، الذي ورغم الجهود المالية التي بذلت لتحقيقه، لم يحقق بعد الأهداف المرجوة في الحفاظ على استقرار أسعار المواد الغذائية الأساسية.
افتتحت الجلسة بتوجيه أسئلة حادة للوزير، الذي عيّن حديثاً، حول أسباب الارتفاع غير المسبوق في أسعار زيت الزيتون، حيث تجاوزت الأسعار 100 درهم للتر، مما أثار غضب النواب الذين أبدوا امتعاضهم من تأثير ذلك على الأسر المغربية، لا سيما أن الزيتون وزيته يعدان جزءاً رئيسياً من نمط العيش الغذائي بالمملكة.
وتطرقت النائبة عن حزب العدالة والتنمية، الرطل بناني، إلى مدى جدوى تحويل مليون هكتار من الأراضي من زراعة الحبوب إلى زراعة أشجار الزيتون ضمن مخطط "المغرب الأخضر"، مؤكدةً أن هذا التحول لم ينعكس بشكل ملموس على الأسواق، على الرغم من استثمارات الدولة الضخمة التي بلغت 6 مليارات درهم.
وحرص الوزير، الذي كان في موقف صعب، على تقديم تفسير لتقلب الأسعار، قائلاً إن العوامل المناخية القاسية، من ندرة الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، أثرت بشكل كبير على سلسلة إنتاج الزيتون هذا العام، مما أدى إلى انخفاض الإنتاج بنسبة 11% عن العام السابق.
كما أشار إلى أن الحكومة تنوي اتخاذ إجراءات خاصة لدعم المنتجين وزيادة المردودية، مؤكداً أن استقرار الأسعار يبقى رهيناً بتوافر كميات كافية في الأسواق لتلبية الطلب الوطني، حيث من المتوقع أن يصل إنتاج زيت الزيتون إلى 90 ألف طن فقط، بينما يتراوح الاستهلاك السنوي بين 130 و140 ألف طن.
لكن انتقادات النواب لم تقف عند حدود زيت الزيتون، فقد طالت أيضاً أسعار اللحوم الحمراء التي شهدت زيادة ملحوظة خلال الفترة الأخيرة، حيث أوضح البواري أن العوامل المناخية أثرت سلباً على توفر الغطاء النباتي اللازم للرعي، مما انعكس على تراجع أعداد القطيع المحلي وارتفاع أسعار الأعلاف المستوردة.
وللتعامل مع هذا الوضع، أكدت الوزارة أن الحكومة اضطرت لتعليق رسوم الاستيراد على اللحوم ودعم الأعلاف، بالإضافة إلى اتخاذ تدابير مشددة مثل منع ذبح إناث الأبقار للحفاظ على أعداد القطيع.
وفي وسط هذه الانتقادات، رأى عبد الفتاح عمار، النائب عن حزب الأصالة والمعاصرة، أن الحكومة مطالبة باتخاذ خطوات عاجلة لضبط أسعار الزيتون واللحوم وتقديم دعم أكبر للفلاحين لمواجهة آثار الجفاف.
أما النائب رشيد طيبي علوي من الفريق الحركي، فقد دعا إلى سياسات تعتمد على تشجيع الإنتاج المحلي بدلاً من الاستيراد المكثف، الذي اعتبره حلاً مؤقتاً غير كافٍ لحل المشاكل البنيوية للقطاع، حيث أشار إلى أنه "بدلاً من توفير الحلول الدائمة، فاقم قرار استيراد الأبقار والأغنام من الاعتماد على الخارج".
وفي سياق النقد اللاذع، أبدى رئيس الفريق الحركي، إدريس السنتيسي، عدم رضاه عن السياسات الزراعية الحكومية التي تعود إلى عام 2007، مؤكداً أن النتائج على أرض الواقع ما زالت غير مرضية بالنسبة للمستهلكين، وأن الاعتماد المفرط على الاستيراد جعل من مخططات التنمية الزراعية غير قادرة على توفير المواد الغذائية بأسعار معقولة.
ودعا إلى توفير دعم أقوى للمزارعين الذين يعانون من الأزمات المناخية المتكررة وتكاليف الإنتاج المرتفعة، لضمان استدامة القطاع الفلاحي وتقليل الاعتماد على الواردات.
وفي المقابل، كان للنائب ياسين عوكاشا عن فريق التجمع الوطني للأحرار، رأي مختلف، حيث دافع عن استيراد العجول والأغنام باعتباره إجراءً ضرورياً للحفاظ على توازن السوق ومنح الفرصة للقطيع الوطني للتوالد، مؤكداً على أهمية الحفاظ على قطاع الفلاحة الذي يوفر فرص عمل لأكثر من 3 ملايين مغربي.
هذه الجلسة أثارت جدلاً واسعاً حول مصير السياسات الزراعية الحالية، حيث دق النواب ناقوس الخطر بشأن آثار الاعتماد على الاستيراد وزيادة تكاليف الإنتاج، مطالبين بإجراءات تضمن تحقيق الاكتفاء الذاتي للمملكة وتخفيف عبء الأسعار على المواطن البسيط.