زيت الزيتون بين مطرقة الأسعار وسندان الغش.. هل تستجيب الحكومة لنداء البرلمان؟

تواجه زراعة الزيتون في المغرب تحديًا غير مسبوق، يهدد بإشعال فتيل أزمة اقتصادية واجتماعية عميقة، إذ يعاني قطاع إنتاج الزيتون - العمود الفقري لآلاف الأسر المغربية - من صعوبات تفاقمت بسبب ارتفاع حاد في الأسعار وظهور ممارسات غش تهدد جودة زيت الزيتون، وسط مناشدات برلمانية بضرورة تدخل حكومي عاجل لإنقاذ هذا القطاع الحيوي.
في مناطق الفقيه بنصالح وقلعة السراغنة، تضررت بشدة مزارع الزيتون التي تعتمد عليها آلاف الأسر كمصدر أساسي للعيش، وامتدت الأزمة إلى بني ملال وخنيفرة، حيث يواجه المزارعون تراجعاً في الإنتاج قد يعصف بمداخيلهم.
وتشير الأرقام إلى ارتفاع أسعار زيت الزيتون إلى مستويات قياسية، إذ بلغ سعر اللتر الواحد بين 100 و120 درهمًا، ما وضع عبئًا اقتصاديًا إضافيًا على المستهلكين، وجعل من زيت الزيتون، الذي كان يومًا جزءًا من المائدة اليومية، منتجًا بعيد المنال.
ورغم الأمطار الأخيرة التي شهدتها المملكة، إلا أنها لم تسهم في رفع إنتاجية الزيتون، ما يثير المخاوف من استمرار الأزمة لفترة أطول.
كما يعاني المزارعون الذين يعتمدون على هذا المحصول من خسائر مادية كبيرة، دفعتهم إلى مناشدة الحكومة للتدخل السريع لحمايتهم من الانهيار المالي.
هذه الأزمة لم تقتصر على التراجع في الإنتاج فقط، بل أثارت أيضًا تداعيات اجتماعية عميقة، حيث بات آلاف المزارعين في مواجهة مصير غامض، تتعالى فيه مخاوفهم من فقدان مصدر رزقهم.
في مواجهة هذا الوضع، تقدّم النائب البرلماني محمد بادو بمساءلة الحكومة، داعيًا وزارة الفلاحة إلى توضيح خططها للتعامل مع الأزمة.
وتساءل بادو عما إذا كانت الوزارة قد أجرت دراسة شاملة لتقييم حجم الأضرار الناجمة عن انخفاض الإنتاجية، مع التأكيد على ضرورة دراسة تعويضات مالية للمزارعين المتضررين وتقديم الدعم الفني لتعزيز مقاومة المحاصيل للتغيرات المناخية.
كما طرح بادو أسئلة حول التدابير الوقائية المطلوبة لتجنب تكرار مثل هذه الكوارث مستقبلاً، مشددًا على أهمية وضع استراتيجيات للتكيف مع تغير المناخ، الذي يتزايد تأثيره بشكل مباشر على المناطق الزراعية، ولا سيما تلك التي تعتمد على محاصيل الزيتون.
في هذا السياق، دعت الفدرالية البيمهنية المغربية للزيتون إلى توفير الدعم اللازم للمزارعين وتحسين البنية التحتية الزراعية من خلال توفير تكنولوجيا متقدمة وإدخال تقنيات تساعد في تقليل تأثيرات التقلبات المناخية والأزمات المتكررة، الأمر الذي يسهم في الحفاظ على المحاصيل ويمنح المزارعين الأمان المالي.
إضافة إلى الأزمات المناخية، تصاعدت في الآونة الأخيرة مخاوف المستهلكين من جودة زيت الزيتون، بعد أن انتشرت تقارير عن ظاهرة غش تُمارس في بعض المعاصر بالمملكة.
ووفقًا للبرلماني جمال الديواني عن الفريق الاستقلالي، فإن بعض المعاصر لجأت إلى خلط زيت الزيتون بزيوت مائدة أخرى أو إضافة مكونات كيميائية لتحسين اللون والطعم وخفض التكلفة. وفي بعض الحالات، يتم دمج زيت قديم منخفض الجودة بالزيت الطازج، في ممارسة تفتقر إلى أدنى معايير الجودة والأمان، ما يشكل تهديدًا مباشرًا لصحة المستهلكين ويزعزع الثقة بمنتجات الزيتون المغربية.
وطالب الديواني في سؤاله الكتابي الموجه إلى وزارة الفلاحة والصيد البحري بتفعيل رقابة صارمة على معاصر الزيتون، خاصة غير المرخصة منها، التي تعمل خارج إطار القانون ودون التزام بالضوابط الصحية والمهنية.
وأكد الديواني على ضرورة إنشاء لجان محلية مشتركة لمراقبة هذه المعاصر، لضمان جودة المنتج النهائي وحماية المستهلكين.
كما أشار إلى ضرورة تشديد الرقابة على التخلص من مخلفات المعاصر، مثل "المرج" الذي ينتج خلال عملية استخلاص الزيت من الزيتون، والذي قد يؤدي إلى تلوث المياه الجوفية وتهديد البيئة، داعيًا إلى فرض ضوابط صارمة لضمان التخلص الآمن من هذه المواد السامة وحماية الموارد الطبيعية من التلوث.
وسبق لوزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، أحمد البواري، خلال الجلسة الماضية بمجلس النواب، أن أكد أن العوامل المناخية القاسية، من ندرة الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، أثرت بشكل كبير على سلسلة إنتاج الزيتون هذا العام، مما أدى إلى انخفاض الإنتاج بنسبة 11% عن العام السابق.
كما أشار إلى أن الحكومة تنوي اتخاذ إجراءات خاصة لدعم المنتجين وزيادة المردودية، مؤكداً أن استقرار الأسعار يبقى رهيناً بتوافر كميات كافية في الأسواق لتلبية الطلب الوطني، حيث من المتوقع أن يصل إنتاج زيت الزيتون إلى 90 ألف طن فقط، بينما يتراوح الاستهلاك السنوي بين 130 و140 ألف طن.
ومع تزايد الضغوط، تجد الحكومة المغربية نفسها أمام تحدٍ ملحٍ لإيجاد حلول سريعة وفعالة لدعم القطاع الزراعي، سواء من خلال تقديم الدعم المالي للمزارعين المتضررين أو تحسين بنيتهم التحتية الزراعية.
وتطرح الأزمة الحالية ضرورة تدخل حكومي عاجل لضمان استدامة قطاع الزيتون، الذي يتجاوز كونه نشاطًا اقتصاديًا إلى كونه جزءًا من التراث الثقافي للمملكة والهوية الزراعية التي عرف بها المغرب لعقود طويلة.