خوفاً من التهرب الضريبي… الحكومة تغلق باب رفع سقف أرباح المقاول الذاتي

الكاتب : انس شريد

12 نوفمبر 2024 - 10:30
الخط :

في ظل التحولات المتسارعة في سوق العمل وتزايد الرغبة في خلق فرص جديدة بعيدة عن الأطر التقليدية، أصبحت ريادة الأعمال الذاتية مجالًا نابضًا بالحيوية ووسيلة مثلى لاستيعاب الفاعلين الشباب من مختلف المجالات.

ويسهم المقاولون الذاتيون في تنشيط الاقتصاد بشكل ملموس، عبر تعزيز مفهوم ريادة الأعمال المحلية وإبراز الإمكانيات غير المستغلة في العديد من الجهات بالمملكة، ما جعل هذا القطاع جاذبًا للطاقات المبدعة والراغبين في التطور المهني وتحقيق الاستقلالية المالية، مع تقليص حدة البطالة.

ولتعزيز هذا التوجه، سبق أن أطلقت الحكومة برامج مثل "فرصة" و"انطلاقة" و"أوراش"، بهدف دعم مبادرات الشباب وتوفير البيئة المناسبة لتحقيق طموحاتهم.

إلا أن مسألة سقف رقم الأعمال السنوي للمقاول الذاتي سرعان ما أثارت جدلاً كبيرًا داخل الأوساط السياسية.

ورفضت الحكومة الحالية، اليوم الثلاثاء، بشكل قاطع جميع التعديلات المقترحة من الأغلبية والمعارضة بشأن سقف رقم الأعمال السنوي للمقاولين الذاتيين، ليبقى الحد الأقصى لتعامل المقاول الذاتي مع نفس الزبون عند 80 ألف درهم دون أي تعديل.

قرار الحكومة جاء كصدمة للعديد من الجهات البرلمانية، التي كانت تسعى لرفع هذا السقف في إطار تشجيع المقاولين الذاتيين وتسهيل أعمالهم.

وطالبت عدد من الفرق البرلمانية، رفع السقف ما بين 100 إلى 200 ألف درهم، إلا أن الحكومة لم تقبل أياً من هذه التعديلات، مبررة موقفها بضرورة تنظيم هذا القطاع للحد من التهرب الضريبي.

في جلسة حاسمة للجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب لمناقشة مشروع قانون المالية 2025، قدم الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، توضيحاً شاملاً حول رؤية الحكومة تجاه قطاع المقاولين الذاتيين.

وأوضح لقجع أن عدد المقاولين الذاتيين بلغ 434,289 مقاولاً حتى نهاية 2023، مع تسجيل 30,297 مقاولًا جديدًا خلال الأشهر الثمانية الأولى من 2024، مما يظهر نمو هذا القطاع بسرعة كبيرة.

وأكد الوزير أن العائدات الضريبية من هذا القطاع بلغت 37 مليون درهم، لكنها لا تزال محدودة، وهو ما يعكس حاجة ملحة لإعادة النظر في الإطار القانوني والتنظيمي لهذا النظام لتوسيع قاعدة العائدات.

وطرح الوزير تساؤلاً مهمًا حول الأهداف الحقيقية وراء المطالبات بزيادة السقف، حيث أشار إلى أن رفعه قد يتيح للشركات توظيف الشباب كمقاولين ذاتيين، ما يوفر عليها التكاليف ويفتح الباب أمام التهرب الضريبي، حيث تدفع الشركات نسبة ضريبية تقدر بـ1% فقط عند توظيف المقاولين الذاتيين.

وأكد لقجع أن هذا لا يخدم المصلحة العامة وأن الحكومة تسعى لتهيئة الظروف التي تضمن استقرار سوق العمل وتدعم تشغيل الشباب بشكل ملائم عبر الشركات وليس فقط عبر توظيفهم كمقاولين ذاتيين.

وشدد الوزير على أن الحكومة لا تستهدف تقليص فرص المقاولين الذاتيين، بل تهدف إلى تطوير هذا النظام ليكون وسيلة قانونية وشفافة للنمو الاقتصادي وليس مجرد غطاء للتهرب الضريبي.

وأشار إلى أن الحكومة تعمل على تحديث نظام المقاول الذاتي ليواكب تطورات الاقتصاد المغربي ويخدم مختلف القطاعات المتأثرة، وخاصة القطاعات ذات الدخل المرتفع مثل القطاع الثقافي، الذي يعتبره الوزير نموذجًا يحتذى به لقطاعات أخرى تحتاج سقف دخل أعلى من 80 ألف درهم.

وفي ختام حديثه، أعلن الوزير لقجع أن الحكومة ستفتح نقاشاً معمقاً حول الإطار القانوني للمقاولين الذاتيين، مؤكداً أن هذا النظام ضروري للاقتصاد الوطني ويمثل ركيزة مهمة للنمو وخلق فرص العمل.

وأوضح أن الحكومة ملتزمة بتطوير المقاول الذاتي ودعمه، لكنها في الوقت نفسه مصممة على الحد من أي استغلال لهذا النظام لتحقيق مكاسب ضريبية غير قانونية.

القرار الأخير للحكومة بعدم رفع سقف الدخل للمقاولين الذاتيين يعكس توجهًا صارمًا نحو تنظيم هذا القطاع الذي يشهد نموًا كبيرًا في المغرب، مما يجعل المستقبل مفتوحًا أمام تساؤلات عديدة حول كيفية تحقيق التوازن بين دعم المقاولين الذاتيين والحد من التهرب الضريبي، ومدى نجاح الحكومة في إيجاد صيغة تنظيمية تلبي متطلبات جميع الأطراف.

آخر الأخبار