تخفيض رسوم استيراد العسل.. خطوة لدعم السوق المغربية أم كارثة للمنتجين المحليين

صوّت البرلمان المغربي مؤخرًا على تعديل في قانون مالية 2025 يقضي بتخفيض رسوم استيراد العسل من 40% إلى 2.5%.
وأثار القرار الذي ظهر لكبار المنتجين كخطوة لتحفيز السوق الوطنية، سريعًا موجة من النقاش العاصف، وسط تحذيرات النقابة الوطنية لمحترفي النحل من تداعيات هذا الإجراء على قطاع تربية النحل المحلي.
بالنسبة للنحالين المغاربة، لم يكن هذا التعديل مجرد تغيير قانوني، بل "ضربة موجعة" تهدد استمراريتهم ومستقبلهم في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة.
القرار أثار زوبعة من الانتقادات والغضب، ليس فقط بين النحالين وأرباب التعاونيات الصغيرة، بل أيضًا بين أوساط الرأي العام، إذ أعرب الكثيرون عن قلقهم من تقليص حصة الإنتاج المحلي في السوق الوطنية.
في حين يرى البعض أن القرار الاقتصادي قد يُعزز العرض في السوق، يرى الآلاف من النحالين المغاربة فيه "كارثة اقتصادية"، قد تجهز على ما تبقى من القطاع، المنهك أصلًا جراء أزمة انهيار خلايا النحل التي أتت على أكثر من 70% من الإنتاج الوطني خلال السنوات الأخيرة.
النحالون يؤكدون أن القرار سيؤدي إلى إغراق السوق بعسل مستورد منخفض الجودة، ما يجعل العسل المحلي غير قادر على المنافسة، خاصة أن إنتاجه يعتمد على تكاليف مرتفعة تشمل مصاريف تغذية النحل ومستلزمات الإنتاج.
ووصفت النقابة الوطنية لمحترفي النحل، القرار بأنه "تناقض صارخ" في السياسات الحكومية، متسائلة: كيف يُعقل أن تدعم الدولة القطاع من خلال مخططات مثل "الجيل الأخضر" و"المبادرة الوطنية للتنمية البشرية"، ثم تُصدر قوانين تقوض مكتسباته؟
وتداعيات هذا القرار، حسب النقابة، لن تقتصر على الاقتصاد فقط، بل ستتسع لتشمل الجانب الاجتماعي.
فمع تهديد عشرات الآلاف من المناصب الدائمة والموسمية، يواجه 36,000 نحّال مغربي مصيرًا غامضًا. التعاونيات الصغيرة، التي تشكل العمود الفقري لهذا النشاط في المناطق القروية، قد تجد نفسها عاجزة أمام منافسة غير متكافئة مع العسل المستورد الذي يتمتع بإعفاءات جمركية شبه كاملة.
في البرلمان، احتدمت النقاشات بين الأغلبية والمعارضة.
ولم يتردد نواب المعارضة، في وصف القرار بأنه يخدم مصالح ضيقة، مشيرين إلى ارتباط بعض الشركات المستفيدة بشخصيات سياسية نافذة.
خلال الجلسة البرلمانية الأخيرة، كشف أحد النواب أن عدد الشركات المستفيدة لا يتجاوز 22 شركة، فيما يُترك آلاف النحالين يواجهون الإفلاس والتهميش.
هذه الإحصائيات أثارت تساؤلات حول معايير العدالة والإنصاف في السياسات الحكومية الخاصة بتدبير السوق الوطنية.
في المقابل، بررت الحكومة هذا الإجراء بأنه خطوة لتعزيز المنافسة وخفض أسعار العسل في السوق المحلية لصالح المستهلك.
غير أن هذه التبريرات لم تلقَ قبولًا بين النحالين الذين وصفوا الوضع بأنه "طوفان" سيبتلع استثماراتهم.
ويعتبر المهنيون أن القرار يخدم فئة ضيقة من المستوردين على حساب المنتجين المحليين، الذين يواجهون تحديات متزايدة تتراوح بين الأزمات المناخية والضغوط الاقتصادية.
ووسط هذا المشهد، يطالب النحالون والتعاونيات بإعادة النظر في هذا القرار المثير للجدل أو على الأقل وضع معايير صارمة لضمان جودة العسل المستورد، بما يحمي الإنتاج المحلي وسمعته.
كما يدعون إلى دعم مباشر للنحالين الصغار والتعاونيات القروية التي تُعد شريان الحياة لهذا القطاع.
في ظل تصاعد المخاوف والاحتجاجات، يبقى السؤال معلقًا: هل ستتمكن الحكومة من إيجاد توازن بين حماية المستهلك ودعم المنتج المحلي؟ أم أن هذا القرار سيكون بداية النهاية لقطاع يُعتبر جزءًا لا يتجزأ من التراث الزراعي للمغرب؟