رؤية عسكرية طموحة.. المغرب يقترب من تعزيز أسطوله بمروحيات H225M

على مدار السنوات الأخيرة، نجح المغرب في تعزيز مكانته كواحد من أبرز الفاعلين في مجال الدفاع في شمال إفريقيا، متبنيًا استراتيجية شاملة تهدف إلى تحقيق التوازن بين تعزيز قدراته العسكرية التقليدية وتطوير صناعة دفاعية وطنية متقدمة.
هذا التوجه لم يأتِ من فراغ، بل هو نتاج رؤية طموحة تسعى لجعل المملكة لاعبًا إقليميًا قادرًا على الاستجابة للتحديات الأمنية والاقتصادية المتزايدة.
في إطار هذه الاستراتيجية، ذكرت صحيفة "لاتريبون" الفرنسية أن المفاوضات بين المغرب وشركة "إيرباص هليكوبترز" لشراء عشر مروحيات من طراز H225M كاراكال وصلت إلى مرحلة متقدمة.
هذه الطائرات، التي تتميز بقدرتها على أداء المهام العسكرية والدعم اللوجستي بفضل حمولتها الكبيرة ومدى طيرانها الواسع البالغ 1000 كيلومتر، ستضيف بعدًا جديدًا لقدرات القوات المسلحة الملكية المغربية.
وأشارت الصحيفة أيضًا إلى أن المفاوضات لا تقتصر على شراء الطائرات فقط، بل تتضمن مناقشات حول التكوينات الدقيقة للمروحيات والأسعار وشروط العقد، مع توقع أن يتم الإعلان عن الصفقة بشكل نهائي في عام 2025.
ما يميز هذه الصفقة المحتملة، حسب التقرير ذاته، هو البعد الاقتصادي والاستراتيجي المصاحب لها.
فقد كشفت المصدر ذاته، أن "إيرباص" تخطط لإنشاء مركز صيانة إقليمي في المغرب لخدمة الطائرات المروحية في دول غرب إفريقيا. هذا المركز، الذي سيعزز مكانة المغرب كمحور إقليمي للخدمات اللوجستية، يمثل جزءًا من استراتيجية أوسع لتعزيز الاستثمار الأجنبي في قطاع الدفاع بالمملكة.
على صعيد آخر، يُعتبر تحديث القوات الجوية الملكية المغربية أحد أبرز ملامح هذه الاستراتيجية.
فالأسطول الحالي، الذي يضم أكثر من 300 قطعة متنوعة، يعكس التزام المغرب بامتلاك قوة جوية مرنة وشاملة.
ويشمل هذا الأسطول، حسب التقرير الأخير الصادر عن "الدليل العالمي للقوات الجوية لعام 2024"، 83 طائرة قتالية مثل F-16C/V متعددة المهام وMirage F1 وF-5E، إلى جانب 85 مروحية تشمل AH-64E Apache الهجومية وSA330 Puma للنقل الثقيل، بالإضافة إلى طائرات نقل متقدمة من طرازات C-130H وCN235.
هذا التنوع يمكّن المغرب من تنفيذ عمليات عسكرية معقدة، سواء كانت قتالية أو لوجستية، على امتداد أراضيه أو في المهام الدولية.
كما يعكس الاهتمام بالتكنولوجيا المتقدمة في القوات الجوية الملكية المغربية توجهًا استراتيجيًا واضحًا. فمن خلال امتلاك طائرات مخصصة للحرب الإلكترونية مثل Falcon 20 (EW) وطائرات بحرية مثل King Air 350 (MPA)، أصبح المغرب قادرًا على تعزيز عمليات المراقبة والاستطلاع بشكل فعال. إضافة إلى ذلك، توفر طائرات التزود بالوقود جواً مثل KC-130H مرونة كبيرة لتنفيذ المهام بعيدة المدى.
لكن الطموح المغربي لا يتوقف عند تحديث المعدات. فقد قطعت المملكة أشواطًا كبيرة في مجال تطوير صناعة دفاعية وطنية قادرة على تلبية احتياجاتها الاستراتيجية.
من خلال تشريعات تدعم الاستثمار الأجنبي والشراكات الصناعية، مثل القانون الخاص بعتاد وتجهيزات الدفاع، يسعى المغرب إلى تحقيق اكتفاء ذاتي نسبي في مجال التصنيع العسكري.
وأكد الوزير عبد اللطيف لوديي، خلال مناقشة الميزانية الفرعية لإدارة الدفاع الوطني، أن هذه الخطوات تمثل بداية جديدة لتقليل الاعتماد على الاستيراد وخلق فرص عمل محلية.
تُظهر الأرقام المخصصة للدفاع في مشروع قانون المالية لسنة 2025 جدية هذه التوجهات. فقد بلغت الميزانية المخصصة للدفاع 133 مليار درهم، وهي أعلى مستوى لها في تاريخ البلاد.
هذه الزيادة الملحوظة تعكس التزام الحكومة بتلبية الاحتياجات الدفاعية المستجدة في ظل التحديات الأمنية المتزايدة في المنطقة، مثل تصاعد التوترات الإقليمية وظهور تهديدات غير تقليدية كالإرهاب والهجمات السيبرانية.
المغرب، الذي نجح في بناء سمعة قوية في مجال الدفاع، يتجه الآن إلى تحقيق توازن استراتيجي يضمن له التفوق العسكري في المنطقة وتعزيز دوره كحليف موثوق على المستوى الدولي.
مع التطورات الأخيرة، يبدو أن المملكة تقترب من تحقيق رؤيتها طويلة الأمد لتصبح نموذجًا للدول التي تجمع بين الحداثة العسكرية والتنمية الاقتصادية.