"ريع سيارات المصلحة"..اختلالات تهدر الملايين وتضعف الثقة

نبه، من جديد، المجلس الأعلى للحسابات إلى اختلالات لا تزال مستمرة ويتعلق الأمر بتطبيع بعض المنتخبين مع "ريع سيارات المصلحة".
وبرزت ظاهرة استغلال أسطول سيارات الجماعات الترابية بشكل لافت، بعيدًا عن الضوابط القانونية والتنظيمية اللازمة.
التقرير السنوي للمجلس برسم عامي 2023-2024 كشف عن أرقام صادمة تؤكد تفاقم الظاهرة، مشيرًا إلى أن نسبة السيارات المخصصة للاستعمال الفردي بأوامر مأمورية دائمة بلغت 33 في المائة من إجمالي الحظيرة، وهو ما يعادل ثلث الأسطول تقريبًا.
غياب التأطير القانوني
وأفاد التقرير بأن الجماعات الترابية وهيئاتها تمتلك أسطولًا متزايدًا من السيارات والآليات، حيث قفز عدد الوحدات من 24,545 في عام 2016 إلى 48,485 وحدة في عام 2023، بزيادة نسبتها 46 في المائة. إلا أن هذه الزيادة لا ترافقها منظومة قانونية متكاملة تنظم عملية الاستغلال وتحدد الأشخاص المسموح لهم باستخدام سيارات الجماعات.
وقد أدى هذا الوضع إلى ممارسات تتنافى مع مبادئ الاقتصاد والفعالية والنجاعة التي يجب أن تميز التدبير العمومي.
استنزاف للموارد
وكشف التقرير عن نفقات ضخمة تتعلق بتسيير حظيرة السيارات، حيث استحوذت نفقات الوقود والزيوت على 52% من إجمالي مصاريف التسيير خلال الفترة بين 2016 و2022، بتكلفة إجمالية بلغت 3.2 مليارات درهم.
وارتفعت هذه النفقات بمعدل سنوي قدره 4.8%، لتصل إلى 1.044 مليار درهم في عام 2022.
في المقابل، أظهرت نفقات التجهيز تذبذبًا واضحًا، إذ انخفضت بشكل كبير خلال عامي 2020 و2021 بسبب تداعيات جائحة كورونا، قبل أن تعاود الارتفاع في 2022 بنسبة 9%.
غياب الخطط والضوابط
وانتقد "قضاة المحاكم المالية" بشدة التدبير العملياتي لأسطول السيارات، مشيرين إلى غياب خطط اقتناء سنوية أو متعددة السنوات تعتمد على حاجيات حقيقية.
ولوحظ لجوء الجماعات الترابية بشكل متزايد إلى التأجير طويل الأمد، دون تأطير قانوني واضح أو مساطر تنظيمية تُرشد هذا الخيار.
وأبرز التقرير افتقار معظم الجماعات إلى برامج سنوية للصيانة، حيث أن 88% منها لا تعتمد أي خطة مُحكمة، و96% لا تمتلك دليلًا خاصًا بمساطر الإصلاح والصيانة.
مرائب غير مؤهلة وأسطول مهدد بالتلف
أحد الجوانب المثيرة للقلق التي أبرزها التقرير هو حالة المرائب التي تُستخدم لإيواء السيارات. فبينما لا تتوفر 37% من الجماعات الترابية على مرائب من الأساس، فإن الغالبية العظمى من المرائب القائمة (63%) لا تستجيب لمعايير السلامة الضرورية، مما يهدد سلامة الأسطول ويُسرّع من وتيرة تهالكه.
إصلاح قبل فوات الأوان
وقدم المجلس الأعلى للحسابات جملة من التوصيات، داعيًا وزارة الداخلية إلى وضع إطار قانوني واضح لتسيير سيارات المصلحة، يحدد مكونات الحظيرة ومعايير الاستغلال.
وشدد المصدر على ضرورة تحديد الأشخاص المخول لهم الاستفادة من السيارات وفق ضوابط صارمة، واعتماد سياسة اقتناء عقلانية تأخذ بعين الاعتبار أولويات الخدمة العمومية، مع ضبط معايير دقيقة لتحديد الحاجيات الفعلية.
وأوصى المجلس بضرورة إعداد برامج صيانة سنوية ودلائل مرجعية لمساطر الإصلاح، وتحسين تنسيق الجهات المعنية بتدبير الحظيرة، بما يشمل الجماعات الترابية ووزارة الداخلية والوكالة الوطنية للسلامة الطرقية.
ريع السيارات.. عنوان لتحدي الشفافية
وتعكس ظاهرة "ريع سيارات المصلحة"، وفق تقرير المجلس الاعلى، مشهدًا من مشاهد الهدر الذي يمكن أن يُضعف الثقة في المؤسسات العمومية.
وفي ظل غياب الحكامة، تتحول أموال المواطنين إلى وقود لممارسات فردية لا تخدم الصالح العام.
وبعد هذا التقرير سكون المدبر العمومي أمام مسؤولية حاسمة، إما التحرك لتصحيح المسار أو التواطؤ بالصمت مع واقع يهدد أسس الشفافية والمساءلة.