كيف نقنع عقلا فقهيا يعتقد أن امرأة أتت بولد وزوجها غائب عنها منذ 20سنة بقبول الخبرة الجينية ؟

الكاتب : الجريدة24

25 ديسمبر 2024 - 12:02
الخط :

عبر عدد من المتتبعين عن استغرابهم من رفض المجلس العلمي الأعلى الإقرار بثبوت النسب عن طريق الخبرة الجينية استنادا الى قاعدة فقهية مستمدة من حديث نبوي " الولد للفراش"

وهذا الرأي جاء متخلفا عن فتوى أصدرها المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي سنة 2002  الذي  اقر أن " نتائج البصمة الوراثية تكاد تكون قطعية في إثبات نسبة الأولاد إلى الوالدين أو نفيهم عنهما".

وبالبحث والتقصي نجد أن مبرر عدم إقرار هذه الخبرة يعود لكون العقل الفقهي عموما  يعتقد جازما ان "إثبات نسب الولد الناتج من علاقة غير شرعية فغير وارد باتفاق الفقهاء، حتى لو أثبتت فحوصات البصمة الوراثية نسبه إليه".

في الحديث "اخْتَصَمَ سَعْدُ بنُ أبِي وقّاصٍ وعَبْدُ بنُ زَمْعَةَ في غُلامٍ، فقالَ سَعْدٌ: هذا يا رَسولَ اللَّهِ ابنُ أخِي عُتْبَةَ بنِ أبِي وقّاصٍ، عَهِدَ إلَيَّ أنَّه ابنُهُ، انْظُرْ إلى شَبَهِهِ، وقالَ عبدُ بنُ زَمْعَةَ: هذا أخِي يا رَسولَ اللَّهِ، وُلِدَ علَى فِراشِ أبِي مِن ولِيدَتِهِ، فَنَظَرَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى شَبَهِهِ فَرَأَى شَبَهًا بَيِّنًا بعُتْبَةَ، فقالَ: هو لكَ يا عبدُ بنَ زَمْعَةَ، الوَلَدُ لِلْفِراشِ ولِلْعاهِرِ الحَجَرُ، واحْتَجِبِي منه يا سَوْدَةُ بنْتَ زَمْعَةَ قالَتْ: فَلَمْ يَرَ سَوْدَةَ قَطُّ"

قصة هذا الحديث كما تَرويها أمُّ المُؤمِنين عائشةُ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّ عُتْبَةَ بنَ أبِي وقَّاصٍ أوصى إلى أخِيهِ سَعْدِ بنِ أبِي وقَّاصٍ أنَّه وقَعَ وعاشَرَ جاريةَ زَمْعَةَ بنِ قيْسٍ، وهو والِدُ سَودةَ زَوجِ النَّبيِّ ﷺ، ومعنى الوليدةُ: الجاريةُ والأمةُ المملوكةُ، وأنَّ ابنَها -عبدَ الرَّحمنِ بنَ زَمعةَ- هو ابنُه، فأوصى أخاه سعدًا أن يَضُمَّه إليه ويرعاه.

فلمَّا كانَ عامُ فتْحِ مكَّةَ سَنةَ ثَمانٍ مِن الهجرةِ، أَخَذَ سَعدُ بنُ أبي وقَّاص الوَلَدَ، وقال: هو ابنُ أخي عُتبةَ، قدْ عَهِد إليَّ فيه أنْ أَستَلحِقَه به، فقامَ عبدُ بنُ زَمْعَةَ فقالَ: هو أخي، وابنُ وَليدةِ أَبي، ووُلِدَ على فِراشِه، فلمَّا تَخاصَم عبدُ بنُ زَمْعَةَ وسَعْدُ بنُ أبي وقَّاص، وقام سَعْدٌ بما عَهِدَ إليه أخوه عُتْبةُ مِن سِيرةِ الجاهليَّةِ، ولم يَعلَمْ سَعْدٌ بُطلانَ ذلِك في الإسلامِ، ولم يكُنْ حَصَل إلحاقُه في الجاهليَّةِ؛ إمَّا لِعَدَمِ الدَّعوى، وإمَّا لِكَونِ الأُمِّ لَم تَعتَرفْ به لِعُتبةَ، فتَدافَعا بعْدَ تَخاصُمِهما وتَنازُعِهما في الولَدِ، وذهبا إلى النَّبيِّ ﷺ وحَكَيا إلَيه.

فقالَ رسول الله ﷺ: الولَدُ لَكَ يا عبْدُ بنَ زَمْعَةَ، فالولَدُ تابِعٌ لصاحِبِ الفِراشِ، زوْجًا أو سيِّدًا، وللزَّاني الحَجَرُ، وهو كنايةٌ عن الخَيبةِ والخُسرانِ أو الرَّجمِ، وأنَّه لا حَقَّ للزَّاني في الولَدِ،

وأمَرَ النَّبيُّ ﷺ زوجَتَه سَودةَ بنتَ زَمعةَ أن تمتَنِعَ مِن ابنِ زَمعةَ المُتنازَعِ فيه، فلا يراها ولا تراه، فأمَرَها به نَدْبًا واحتياطًا؛ لأنَّه في ظاهِر الشَّرعِ أخوها؛ لأنَّه أُلْحِقَ بأبيها، لكِن لَمَّا رأى الشَّبَهَ البَيِّنَ بِعُتبةَ بنِ أبي وقَّاص خَشِي أنْ يَكونَ مِن مائِه، فيكونَ أجنبيًّا منها، فأمَرَها بالاحتِجابِ منه؛ احتياطًا، فما رآها حتَّى لَقِي اللهَ عزَّ وجلَّ وماتَ.

والأغرب ما قيل في تفسير هذا الحديث انه لا يجوز أن ينسب ولد الزنا لأبيه الزاني بل قد ينسب إلى أمه في بعض الحالات.  حتى ان فقيها مثل ابن قدامة:

اجتهد وقال "حتى لو أن امرأة أتت بولد وزوجها غائب عنها منذ عشرين سنة لحقه ولدها".

وفي المغرب ظهر مفهوم "الراكد" وعدد من الفقهاء ألحقوه بابيه المتوفى أو الغائب.

ويبدو أن العقل الفقهي الذي يرفض اعتماد الخبرة الجينية لإثبات النسب هو حبيس قراءة مختزلة ولثقافة كانت سائدة في زمن ما قبل الإسلام.

آخر الأخبار