هل تُقسّم تعديلات مدونة الأسرة المجتمع المغربي؟

الكاتب : عبد اللطيف حيدة

27 ديسمبر 2024 - 11:00
الخط :

تصاعدت حدة النقاش حول التعديلات المقترحة من أجل تغيير مدونة الأسرة. واحتد الجدل، هذه الأيام، بين مختلف فئات المجتمع المغربية باعتبار اختلاف مرجعياتهم الفكرية والسياسية.
وعكست الكثير من التدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي تباينًا كبيرًا في الآراء حول مدى تأثير هذه التعديلات، التي كشف عنها وزير العدل، على الأسرة المغربية.
وأظهر هذا النقاش مخاوف وحجج متناقضة بين من يرون في هذه التعديلات تقدما نحو الحداثة وإنصاف المرأة المتزوجة، وآخرين يخشون من تأثيرها السلبي على ترابط وتماسك الأسرة واستقرار المجتمع وتراجع مستويات الزواج.

مخاوف التفكك

وتعتبر التوجهات والخلاصات الجديدة التي توصل إليها القائمون على صياغة التعديلات التي سيتم إدخالها على مدونة الأسرة، بمثابة إعادة تنظيم لعلاقة الزوجين، إذ تعالج مسائل الطلاق، والحضانة، والمساهمة في الثروة الزوجية.
وفي هذا السياق، عبّر العديد من المغاربة عن قلقهم من أن هذه التعديلات قد تؤدي إلى المزيد من التوتر في العلاقة بين الزوجين، حيث وصف البعض هذه التعديلات بأنها "تأجيج للصراع" بدلاً من تعزيز التفاهم والانسجام. كما جاء في تدوينة لأحد المدونين الذي قال: "من المؤسف أن يخوض فقهاء الأمة ومثقفيها في مدونة الأسرة بنوع من تأجيج الصراع والندية بين الأزواج، بديلا عن البحث عن حلول مجتمعية تحافظ على سكينة الأسرة وترابطها وانسجامها".

حقوق المرأة

من جهة أخرى، تدور إحدى أبرز النقاط المثيرة للجدل حول المساهمة في ثروة الزوجين أثناء الزواج. ويشير المنتقدون إلى أن تعديل مدونة الأسرة في هذا السياق يعزز حقوق المرأة، وهو ما دفع العديد من المدافعين عن التعديلات للقول إن المرأة، التي تتحمل أعباء منزلية كبيرة، تستحق المشاركة في الثروة التي يتم جمعها خلال فترة الزواج.
وفي هذا السياق، نبه بعض المدونين إلى أن "المرأة التي لا تعمل خارج البيت لديها وظيفة بدوام كامل داخل المنزل، فهي تربي، وتنظف، وتطبخ، وتعلم، وتنظم شؤون البيت. هذه الوظيفة ليست لها وقت محدد، بل تستمر منذ استيقاظها وحتى نومها. من حقها اقتسام ما جُمع أثناء فترة الزواج".

مخاوف من "علمنة" المدونة

على الجانب الآخر، عبر العديد من المدونين عن مخاوفهم من أن التعديلات على المدونة تتجه نحو "علمنة" القوانين على حساب أحكام الشريعة الإسلامية.
في تدوينة كتب أحدهم: "أنا مسلم مغربي لن نقبل أبدا بالمساس بأحكام الشريعة #لا_لعلمنة_المدونة"، مؤكدًا على ضرورة أن تظل قوانين الأسرة مستندة إلى المبادئ الإسلامية.

أما بالنسبة للمؤيدين لتعديلات المدونة، فيرون أن هذه التعديلات تعكس ضرورة مواكبة التطورات المجتمعية، مثلما صرح الوزير أحمد التوفيق بأن "الدولة المغربية دولة علمانية".
وتظهر بعض التدوينات انتقادات لاذعة لهذه التعديلات بوصفها تلبية لإملاءات خارجية، مثلما جاء في تدوينة تقول: "مدونة الأسرة في حلتها الجديدة تنسجم وما صرح به التوفيق كون الدولة المغربية دولة علمانية #تفعيلا_لإملاءات_صندوق_النقد_الدولي". هذا التوجه يعكس القلق من أن هذه التعديلات قد تكون جزءًا من استراتيجية أكبر للضغط الدولي على المغرب من أجل تغيير قوانينه التقليدية.

تداعيات التعديلات

إحدى القضايا البارزة التي أثيرت في النقاشات حول التعديلات هو تأثير هذه القوانين على الشباب المغربي. الدكتور أحمد الريسوني، الفقيه المقاصدي المعروف، أشار إلى أن التعديلات قد تؤدي إلى زيادة عزوف الشباب عن الزواج، خاصة مع التعديلات التي تتعلق بتقييد حقوق الرجال في مقابل منح المزيد من الحقوق للنساء. وقد عبر عن ذلك قائلًا: "المشكل الذي سيتفاقم جراء هذا التوجه، وسيرخي بمزيد من آثاره السلبية على الأسرة والمجتمع، وعلى المرأة بالدرجة الأولى، هو دفع الشباب إلى مزيد من العزوف عن الزواج، في مقابل التسهيلات والإغراءات المتاحة لحياة العزوبة و"العلاقات الحرة"".

التناقضات

من جهة أخرى، يظهر أن بعض النقاشات تقتصر على تحذيرات بشأن التداعيات الاجتماعية السلبية التي قد تحدث بسبب التعديلات، حيث أشار بعض المغردين إلى أن هذه التعديلات قد تؤدي إلى تصعيد التوترات داخل الأسرة.
وتساءل أحد المدونين حول ما إذا كان "مشروع المدونة (الحداثوي) سيحافظ على السكينة والمودة والرحمة بين الأسرة، التي أوصى بها ديننا الحنيف؟ هذه مدونة ديال: شد لي نقطع لك".

الاختلافات في الرؤى

وعلى الرغم من هذه الانتقادات، لا تخلو التعديلات من المؤيدين لها، الذين يرون أنها ضرورية من أجل تحقيق التوازن داخل الأسرة وتوفير الحماية لكل من الزوجين. أحد المدافعين عن التعديلات أكد أنه "لا يمكن تحميل هذه التعديلات مسؤولية العزوف عن الزواج أو ارتفاع حالات الطلاق. العزوف عن الزواج أسبابه اقتصادية واجتماعية بالدرجة الأولى، أما الطلاق فأسبابه متعددة مثل: عدم الوضوح، رفع مستوى التوقعات، عدم القناعة، ضعف التواصل، وأسباب أخرى".

ويظهر من خلال كل هذه التعبيرات الصادرة عن المجتمع عن وجود انقسام حول مضامين المدونة التي تستعد الحكومة لصياغتها في قانون سيحال فيما بعد على البرلمان لاعتماده.
كما تمثل هذه التعديلات جسا لنبض المجتمع لاختبار مدى الخطوة التي ستقدم عليها الحكومة لحظة الصياغة النهائية للمدونة الجديدة وتعديلها بالبرلمان.

آخر الأخبار