أنس بنضريف: هذه نصيحتي للشباب والصحافيين

الكاتب : عبد اللطيف حيدة

10 يناير 2025 - 10:00
الخط :

في عالم الصحافة، تُنسَج الحقائق بخيوط الكلمات، ويُعزف لحن الحياة على أوتار الحروف. في المغرب والمنطقة العربية، يحمل الصحفي قلمه كفارسٍ يحمل سيفه، لكن لا يكاد يستعمله أمام هول القيود، وفي الجانب الآخر من المتوسط، تنبض أوروبا بإيقاع مختلف، حيث تحلق الصحافة كطائر حرّ في سماء الديمقراطية، محصّنة بقوانين تحمي أجنحتها وتمنحها أفقًا بلا حدود، لكن تتكسر أخلاقياتها أمام غلبة فلسفتها الغربية في مواجهة الآخر.

أنس بنضريف، صحفي ومدرب إعلامي، أحد حرّاس الكلمة الحرة، يرى أن الصحافة والعمل الصحفي وإن كانت حلبة للأصوات المختلفة في المغرب وكلب حراسة أو السلطة الرابعة، فإنه للأسف هذا الدور يختفي إلى حد ما في المغرب، بحكم الريع والتحكم في منابع الاشهار.

وفيما يلي أجرينا حوار مع أنس بنضريف، الصحفي والمدرب المعتمد للأكاديمية الألمانية DW، وFrance Médias Monde في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا. ومدرب رئيسي لدورة "مكافحة المعلومات المضللة" لمركز إذاعة هولندا للتدريب RNTC. ومدرب في اليونسكو، حول موضوع الذكاء الاصطناعي والانتخابات. ومستشار للأمن الرقمي لمنظمة "مراسلون بلا حدود"...
أنس حاصل على درجة الماجستير في التواصل من جامعة تيلبورغ في هولندا... وحاصل على الإجازة في الأدب الإنجليزي من جامعة سيدي محمد بن عبد الله في فاس، المغرب.

  1. كيف كانت بداياتك في المجال الصحفي؟ وما الذي دفعك لاختيار هذه المهنة؟

بدايتي في العمل الصحفي كانت بالصدفة.. من قبل كنت منخرطا في تجارب مع بعض المنظمات الحقوقية، كمنظمة العفو الدولية ومنظمة أكشن إيد، وبحكم أنني أسكن قرب إذاعة هولندا تقدمت بطلبات من أجل الالتحاق بالعمل بها أكثر من ثلاث مرات، وقوبلت بالرفض.. ومرة الإذاعة بحاجة إلى من يشتغل بقسم الأخبار التي كانت تبث على مدار الساعة، ومنحوني فرصة العمل بهذه الإذاعة، من مدير التحرير الأستاذ محمد عبد الرحمان، وهو سوداني، لطيف.. وبعد ثلاثة أيام فقط طلعت على الاخبار مباشرة، ولم تكن لنا إمكانيات بشرية للقيام بالمهام التقنية، ومباشرة بعد مدة قصيرة بدأت أتفاعل مع الإدارة بإبداء ملاحظات تقنية على الإخراج بعدما كانت أجتهد كثيرا في التكوين الذاتي على هذا المستوى.. وأعجبوا بي.. وهكذا انطلقت مسيرتي..

 

  1. هل يمكنك مشاركتنا تجربة أو موقف لا يُنسى أثناء تغطياتك الصحفية؟

أبرز التجارب كانت في زامبيا.. جعلتني أقف عندها كثيرا.. كانت حينها الانتخابات، وكنت في منطقة نائية في لوساكا وكنت شاهدا على مشهد ويتعلق الامر بصف طويل من الناس في قرية نائية ينتظرون دورهم من أجل اختيار الحكومة التي ستدير البلاد.. وهذا هو الفرق الذي لامسته بين الدول التي كانت تحت الاستعمار الفرنسي وتلك التي كانت تحت الاستعمار الانجليزي، إذ بالرغم من الفقر والظروف الصعبة، كانت الشعوب على الأقل لا تتعرض لإملاءات من الاستعمار لاختيار الأنظمة والحكومات، ولا يمكن التنبؤ بالرئيس القادم.

 

  1. كيف ترى دور الصحفي في نقل صورة متوازنة عن المغرب إلى العالم؟

ليس دور الصحفي نقل صورة متوازنة عن الأحداث، بقدر ما أن دوره هو نقل الصورة والواقع، أعتقد أننا كلنا متحيزون. التحيز في الاعلام تحيز ذاتي له علاقة بالأيديولوجيات التي يتبناها كل شخص. المطلوب من الصحفي أن يكون مهنيا أكثر.  أنا شخصيا لا أومن بالحياد في الصحافة. بل على الصحفي أن يتمثل الحد الأدنى من الأخلاقيات في نقل الحقيقة وليس التشهير.. بعض المرات ليس ما ينقله الصحفي هو المهم بل الشيء الذي امتنع الصحفي عن نقله. ليس دور الصحفي أن ينقل صورة متوازنة عن المغرب أو العالم العربي أو الأحداث عموما، فهذا دور البروباغندا، ولاأقصد هنا البروباغندا في معناها القدحي طبعا..

 

  1. كيف تُقيِّم المشهد الإعلامي في المغرب؟ وهل ترى أن الإعلام يؤدي دوره كما يجب؟

أدوار الاعلام نعرفها جميعا. الاخبار والعمل الصحفي وإن كانت حلبة للأصوات المختلفة في المغرب وكلب حراسة أو السلطة الرابعة، فإنه للأسف هذا الدور يختفي إلى حد ما في المغرب، بحكم الريع والتحكم في منابع الاشهار. للأسف الممارسة الصحافية الجيدة في المغرب تحارب وصوتها غير مسموع، بحكم أن الصحافة المسموعة والمنتشرة أكثر هي صحافة التشهير، وهذا الأمر يتجسد حتى على مستوى نسب المتابعة والمشاهدة والقراءة. حتى دب الخلاف بين من يقول إن الصحافة هي التي تنقل التفاهة ومن يقول إن التفاهة موجود في المجتمع أصلا ولذلك فالصحافي يتكفل فقط بنقلها.

  1. ما الذي يميز الممارسة الصحفية بالمغرب والمنطقة العربية عن أوروبا؟

لا يوجد ما يميز الصحافي بأوربا عن غيره بالدول العربية، ولاسيما المغرب، الذي يميزهما عن بعضهما هو الإمكانيات. حتى الصحافة الغربية أثبتت من خلال تغطياتها لأحداث غزة أنها تضرب بالأخلاقيات المهنية عرض الحائط وتقوم بنقل صورة أحادية الجانب، أو صورة تحريضية على ما يجري. والصحافة الأوربية التي كنا ننتظر منها أن تعطينا نموذجا في الاخلاقيات سقطت في أزمة أخلاقية. إذن الفرق في الإمكانيات فقط. حتى أن الاعلام الخاص بأوروبا ليس بنفس الإمكانيات التي لدى اعلام العمومي.

  1. هل تعتقد أن المشاهد العربي يُدرك طبيعة العمل الصحفي وما يواجهه الصحفيون من صعوبات؟

أعتقد أن المشاهد العربي، ومنه المغربي، يدرك التحديات بل هو جزء من الردة الأخلاقية الواقعة وجزء من المشكل والحل، فهو يدرك طبيعة العمل الصحفي والصعوبات التي يواجهها الصحفي، ولكن في نفس الوقت لا يثق في الصحافيين والإعلاميين، بالنظر إلى الصورة التي تطبع ماضي الاعلام الذي هو تلميع صورة الحكومات والمسؤولين العموميين

  1. باعتبارك أحد الصحافيين المغاربة الذين يشتغلون بمؤسسات إعلامية بأوروبا، ما الأشياء أو المواضيع التي تحظى بالأولوية عندك في التغطية الإعلامية؟

بحكم تجربة العمل الصحفي التي قضيتها بأروبا، لاحظت أن الاهتمام أكثر ينصب على قضايا ومواضيع ذات الصلة بالهجرة والاندماج، وهذا فيه نوع من الاستشراق الصحفي. غرف التحرير الذين اشتغلت معهم، طالما تحدثوا معي من أجل إعداد تحقيقات أو تقارير حول مثل هذه القضايا.. لكن أنا شخصيا، ومنذ أربع سنوات تقريبا أشتغل أكثر على تقديم استشارات وتداريب في هذا المجال، ومؤخرا هذه المواضيع التي تتعلق بالاندماج والهجرة والحجات أصبحت قضايا متجاوزة بأوروبا ولم تعد لها أي قيمة مضافة.

 

  1. ما نوع القضايا المغربية والعربية التي تلقى صدى واسعًا لدى الجمهور الأوربي من خلال تقاريرك؟

المواضيع التي تحظى بالمتابعة والاهتمام لا تختلف عن تلك التي تروج بالمغرب.. صحف التفاهة هي التي تحصل على المراتب الأولى.. صحافة التفاهة والاثارة هي الأكثر شهرة، حتى " ذا صانداي تايمز" المعروفة بمواضيعها المثيرة تبيع أكثر من الغارديان التي تأسست عام 1821 بأربع أو خمس مرات، ما يعني أن الاثارة أكثر شهرة وانتشارا.. المواضيع التي تتناول قضايا المغاربة تتعلق باليمين المتطرف والعدمي والمواضيع التي تتناول السردية المعادية بهولندا

 

  1. ما الذي يُميز تقاريرك عن المغرب، وكيف تعمل على إضافة لمستك الخاصة؟

الصحفي لما يشتغل بمؤسسة صحفية لا يكون له هامش واسع، أي مؤسسة صحفية تملك خطا تحريريا معينا الذي يفرض على الصحفي الذي يعمل ضمنها أن ءينضبط له. لذلك، مهمة الصحفي ليس ان يتبنى الخط التحريري بل أن ينضبط له، لأنه أحيانا لا يجد الصحفي فرص عمل أخرى للاشتغال تتلاءم مع قناعاته الفكرية، فالمطلوب من الصحفي على الاقل أن لا يقسط في التشهير والكذب.

أما فيما يخص لمستي في تغطية المواضيع، تتمثل هو التحكم في الكاميرا والصورة بشكل جيد، وأن أختار مواضيع جيدة.. أذكر أنه من المواضيع التي تميزت فيها مؤخرا، تسليط الضوء على المسلمين الذين صوتوا لليمين المتطرف، كما تناولت العديد من الأفلام الوثائقية الطويلة التي فيها عمق الأفكار.

 

  1. ما هي أهم المهارات التي يجب أن يتقنها الصحفي ليكون ناجحًا في عمله الميداني؟

لابد للصحافي أن يخرج من قوقعته ومكتبه وينزل إلى الناس والاستماع الى قصصهم. الصحفي الحقيقي هو الذي يملك هذه الخاصية ويلتقط القصص ويطور نفسه، بالإضافة إلى امتلاك أي ملكة من خلال التداريب للتعامل مع الاخبار المضللة مثل استخدام البيانات والصور والفيديوهات وغيرها في عمله الصحفي، والحفاظ على القيم والأخلاق المهنية والالتزام بها وعدم السقوط في الكذب والتضليل

  1. ما هي النصائح التي تقدمها للشباب الراغبين في دخول المجال الإعلامي؟

للأسف أصبحت الصحافة مهنة من لا مهنة له. لذلك أنبه الشباب إلى أن مستقبل العمل الصحفي بمعناه التقليدي أصبح غامضا ومهنة غير محمية، حتى المؤثر أصبح عائداته أفضل من الصحفي بكثير، والمؤسسات الإعلامية يجب أن تغير مناهجها وتنظر في التحديات وتأخذها بعين الاعتبار

  1. ما هي أهم إنجازاتك التي تعتز بها خلال مسيرتك المهنية؟

الصحفي لا يجب أن يكون لديه هاجس الإنجاز. الصحفي يؤدي وظيفة وعمل ورسالة ويتقاضى عليها اجرا مثله مثل الممرض والطبيب والأستاذ. المهم هو أن تؤدي مهمته باقتدار

  1. بالنظر إلى التجربة المهمة التي راكمتها في الممارسة الصحفية.. هل تفكر في مشاريع إعلامية خاصة بك؟

لا أفكر في أي مشاريع إعلامية ولا أنصح الشباب بالإقدام عليها لأنها تشكل انتحارا، لذلك من أراد أن يضمن مستقبله المهني بشكل جيد لا انصحه بولوج مهنة الصحافة، اللهم إذا كان مقتنعا بأنه سيؤدي دورا مهما وكبيرا من خلالها، خصوصا في الدول العربية التي لا تملك خيارات كثيرة على هذا المستوى

انا ابتعدت عن المحتوى وأصبحت اشتغل أكثر على الاستشارات والتداريب، لأنها تمنحك فرصة العمل في الظل وإنجاز برامج إعلامية على مستوى الشرق الأوسط وشمال افريقيا. لكن مؤخرا أصبحت اشتغل على misinformation and fact checking، وهذه ستكون مهمة في السنوات المقبلة بسبب انتشار الأخبار المصللة والكاذبة كثيرا، التي ساهمت في خلقها مواقع التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة

  1. كيف ترى مستقبل الإعلام في المغرب والعالم العربي خلال العقد المقبل، في ظل المعطيات السياسية والحقوقية الحالية؟

مستقبل الاعلام بالعالم العربية له علاقة كبيرة بمستوى الديمقراطية التي تتشبع بها كل دولة. إذا ظل الحال على ما هو عليه أعتقد أن الصحافةـ مع استثناءات، ستزداد مخاطرها.

كما أن جنس التحقيق اضمحل باستثناء بعض المقالات هنا وهناك. حتى لو اشتغل عليه الصحفي بشكل جيد لا يكون له أثر على الأرض. الصحفي يقوم أحيانا بعمل جيد قد يسقط به حكومات في الدول الديمقراطية لكن في المغرب أو الدول العربية لا يحرك أي شيء ولا يؤثر كثيرا

مستوى الإعلام في المنطقة العربية سيظل رهين بالتنمية والديمقراطية والتي لا تزال غائية للأسف.

 

 

 

 

 

آخر الأخبار