جدل ساخن تحت قبة البرلمان.. هل تضخم الحكومة أرقام السياحة لتجميل الواقع؟

أثارت أرقام السياحة التي قدمتها الحكومة الحالية لعام 2024 موجة من الجدل في قبة البرلمان، حيث انتقدت المعارضة البرلمانية بشدة احتساب مغاربة العالم ضمن عدد السياح الوافدين إلى المملكة، وهو ما وصفته بأنه محاولة "لتضخيم" الأرقام الرسمية على حساب المصداقية وفاعلية الاستراتيجية السياحية.
واعتبرت المعارضة أن هذه الأرقام، التي بلغت 17.4 مليون سائح وفق التقارير الحكومية، قد لا تعكس الواقع الحقيقي الذي يعاني فيه القطاع من تحديات كبيرة، أبرزها غياب سياسات شمولية ورؤية تنموية عادلة.
وفي جلسة المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة، أشارت مكونات المعارضة، وفي مقدمتها الفريق الاشتراكي، إلى أن أكثر من 47% من هذا الرقم يعود إلى مغاربة العالم، الذين ساهموا بحوالي 110 مليارات درهم في عائدات السياحة على مدار السنوات الثلاث الأخيرة.
ورغم أهمية تحويلات هذه الفئة إلى الاقتصاد الوطني، تساءلت المعارضة عن جدوى استخدامهم في احتساب الإحصائيات السياحية الرسمية، معتبرة أن هذا الأمر "يفتقر إلى الشفافية ويطمس النقاش حول استقطاب السائح الأجنبي".
من جهة أخرى، أبرزت المعارضة ما وصفته بـ"العجز الواضح" في الاستراتيجيات الحكومية لتحقيق أهداف تنموية حقيقية في القطاع السياحي.
فقد ركزت الفرق البرلمانية، مثل الحركي والتقدم والاشتراكية والعدالة والتنمية على عدة أوجه للقصور، من بينها ضعف البنيات التحتية السياحية وتراجع أداء مؤسسات مثل الشركة المغربية للهندسة السياحية، التي تشتغل منذ 17 عامًا بنتائج متواضعة.
كما انتقدوا غياب سياسات فاعلة لدعم السياحة الداخلية، التي اعتبروها بدورها خارج دائرة اهتمام الحكومة إلا في فترات الأزمات.
التحديات التي تواجه قطاع السياحة لم تتوقف عند حدود الإحصائيات؛ بل تضمنت أيضًا معضلة عدم تناسق الأهداف المعلنة مع الواقع الميداني.
ففي الوقت الذي تسعى فيه الحكومة لتحقيق أرقام طموحة للوصول إلى كوكبة الوجهات السياحية الأكثر جاذبية عالميًا، سجل المغرب تراجعًا بـ12 مركزًا في تصنيف "مؤشر تنمية السياحة والسفر لعام 2024"، ما وضع المملكة في المرتبة 82 عالميًا من أصل 119 دولة.
وقد أعرب النواب عن قلقهم من هذا التراجع، مشيرين إلى أن "ما تحقق حتى الآن ليس ثمرةً لمجهودات حكومية، بل نتيجة عوامل خارجة عن إرادة الحكومة، مثل الإنجاز التاريخي للمنتخب الوطني في مونديال 2022 وانتعاش السفر عالميًا بعد الجائحة".
النواب استغلوا النقاش للتساؤل عن مصير برامج البنية التحتية المرتبطة بالسياحة، مثل تعميم الطرق السيارة وشبكات القطارات على مختلف المناطق، وكيفية تحسين جودة الخدمات السياحية وتحفيز الاستثمارات في الجهات ذات الإمكانيات الطبيعية والثقافية غير المستغلة مثل منطقة درعة-تافيلالت.
وطُرحت كذلك إشكالية تعدد الضرائب على المنشآت السياحية، ما يمثل تحديًا كبيرًا أمام قدرة الفاعلين في القطاع على تقديم خدمات عالية الجودة وتحقيق ربحية مستدامة.
تداعيات غلاء المعيشة وسوء الخدمات لم تفلت من مرمى الانتقادات، حيث أشار نواب المعارضة إلى عزوف عدد كبير من المغاربة عن قضاء عطلاتهم داخل البلاد، مفضلين السياحة الخارجية بسبب التكاليف الباهظة وانخفاض مستوى التجهيزات في الوجهات المحلية.
وتساءلت المعارضة عن غياب المبادرات لتحفيز السياحة المحلية مثل برامج "شيك العطلة"، وأهمية السياحة الثقافية والجبلية والواحات، التي لم يتم إدماجها بفعالية في السياسات الحكومية.
الطموحات الكبيرة التي وضعتها الحكومة في مجال السياحة تبدو بعيدة المنال، بحسب تعليقات المعارضة، إذ تساءلوا عن قدرة المغرب على استقطاب 26 مليون سائح بحلول 2030، في ظل ضعف الاستراتيجيات التنموية وضعف التنسيق بين القطاعات.
ودعوا إلى إصلاحات جذرية لتعزيز حكامة المؤسسات، والتفاعل بين القطاعين العام والخاص، والارتقاء بالخدمات إلى المستوى الذي يجذب السائح الأجنبي ويحفز الإنفاق السياحي داخل المملكة.
رغم الانتعاش النسبي الذي سجله القطاع عقب الجائحة، دعت المعارضة إلى تقييمٍ موضوعيٍ وصريحٍ للأوضاع الحالية، مشددة على أن بناء صناعة سياحية مستدامة يتطلب الابتعاد عن نهج الخطابات المطمئنة والوعود غير القابلة للتطبيق، والتحرك نحو تنفيذ إصلاحات حقيقية تعالج القضايا الجوهرية.
بالنسبة للمعارضة، لا يمكن فصل القطاع السياحي عن تحديات البطالة المرتفعة، والأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المواطن المغربي، والتي تلقي بظلالها على مستقبل الصناعة كركيزة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.