الفساد في المغرب.. هل فقد المواطنون ثقتهم في المؤسسات؟

لا يزال ملف الفساد في المغرب يثير جدلاً واسعًا بين مختلف الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والمجتمعيين، حيث تتباين المواقف بين من يرى أن الجهود المبذولة غير كافية، وبين من يؤكد أن هناك تقدماً ملموساً في مكافحته.
فبينما تشدد الحكومة على أن الإصلاحات تسير في الاتجاه الصحيح، تؤكد المعارضة والمجتمع المدني أن الفساد لا يزال متغلغلاً في مفاصل عدة، مما يضعف ثقة المواطنين في المؤسسات.
وفي هذا السياق، أكد محمد البشير الراشدي، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، اليوم الأربعاء، أن الشباب المغربي يُعد الفئة الأقل ثقة في المؤسسات، والأكثر انتقادًا للسياسات العمومية في هذا المجال.
وأوضح أن هذه الفئة ترى أن الجهود المبذولة ليست على مستوى التطلعات، مما يفرض تحديات كبيرة على الدولة لاستعادة ثقة المواطنين، وجعلهم جزءًا من عملية الإصلاح.
وأبرز الراشدي خلال ندوة حول "الالتزام المواطن والمساهمة في تدبير الشأن العام ومكافحة الفساد"، أن الهيئة أطلقت دراسة "باروميتر الثقة"، التي سيتم نشر أول نسخة منها خلال النصف الأول من السنة الجارية، بهدف قياس تطور مستوى الثقة في المؤسسات العمومية والخاصة.
وحذّر من أن المؤشرات الوطنية والدولية تؤكد ليس فقط وجود عجز في الثقة، بل تراجعًا مستمرًا فيها، ما يستدعي اتخاذ إجراءات ملموسة لتدارك الوضع.
ويشير المسؤول ذاته إلى أن تعزيز التزام المواطنين في مكافحة الفساد يستوجب توافر عنصرين أساسيين؛ أولهما وجود مشهد سياسي قائم على التنافس النزيه، يفرز مؤسسات قوية تلتزم بتنفيذ البرامج التنموية التي تعهدت بها، بما يضمن تلبية تطلعات المواطنين.
أما العنصر الثاني، حسب المتحدث ذاته، فيتمثل في ضرورة وجود مواطنين واعين بدورهم في بناء المجتمع، من خلال التصدي لمخاطر الفساد، الذي يعد أحد أبرز العوامل المعيقة للتنمية والاستقرار.
وسبق للحكومة أن أكدت أن مكافحة الفساد ليست مجرد وعود سياسية، بل ورش مفتوح شهد تقدماً واضحًا خلال السنوات الأخيرة، مشيرة إلى تحقيق الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد (2016-2025) نسبة إنجاز بلغت 80%.
وأوضح الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، في الندوة الصحفية التي أعقبت انعقاد مجلس الحكومة أن هذه النسبة تعكس التزام الدولة بتنفيذ سياسات واضحة لتعزيز النزاهة والشفافية في تدبير الشأن العام، من خلال مجموعة من الإجراءات القانونية والتنظيمية التي تم تبنيها خلال الفترة الأخيرة.
ويشمل هذا المسار، حسب بايتاس، إصلاحات جوهرية، مثل إصدار ميثاق المرافق العمومية، وتبسيط المساطر الإدارية، إلى جانب تعديل مرسوم الصفقات العمومية، الذي يهدف إلى فرض مزيد من الشفافية والرقابة على تدبير المال العام.
كما تراهن الحكومة بشكل كبير على التحول الرقمي في الإدارات العمومية باعتباره آلية فعالة للحد من الفساد، وتقليل التدخل البشري في الإجراءات الإدارية، مما يسهم في تقليص فرص استغلال السلطة والتلاعب بالمصالح العامة.
ورغم هذه التدابير، ترى المعارضة وعدد من الهيئات الحقوقية أن محاربة الفساد تتطلب إرادة سياسية أقوى، ومزيدًا من الإجراءات الصارمة، خاصة فيما يتعلق بمكافحة الفساد السياسي والانتخابي، الذي يُعد من بين أكبر التحديات التي تواجه البلاد.
كما يؤكد مراقبون أن نجاح الإصلاحات يظل مرهونًا بمدى إشراك المواطنين في هذه العملية، وتحقيق تحول جذري في منظومة القيم المرتبطة بالنزاهة والشفافية في المؤسسات العامة والخاصة على حد سواء.
وفي ظل استمرار الجدل حول مدى فعالية الجهود المبذولة، يبقى السؤال المطروح: هل ستتمكن الحكومة من تحقيق قفزة نوعية في مكافحة الفساد، أم أن التحديات الهيكلية ستظل حجر عثرة أمام تحقيق الأهداف المنشودة؟