حديقة الحيوانات عين السبع تتخلص من غبار الإهمال.. اتفاقية شراكة تطلق شرارة التغيير المنتظر

في قلب الدار البيضاء، المدينة التي لا تنام والتي تنبض بالحياة في كل زاوية، خُطت اليوم صفحة جديدة في سجل مشاريعها الكبرى، حيث تم توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية لتسريع تهيئة وتأمين فضاءات إيواء وعرض الحيوانات بحديقة عين السبع.
هذا القرار يأتي ليضع حداً لسنوات من الانتظار والتأجيلات التي رافقت مشروع إعادة إحياء واحدة من أقدم وأهم حدائق الحيوانات بالمغرب، والتي كانت على مر العقود متنفساً بيئياً وثقافياً لأجيال متعاقبة من البيضاويين وزوار المدينة.
الاتفاقية التي تم توقيعها خلال الدورة العادية لشهر فبراير لمجلس مدينة الدار البيضاء، جمعت بين عدة أطراف رئيسية، من بينها ولاية جهة الدار البيضاء-سطات، وجماعة الدار البيضاء، والوكالة الوطنية للمياه والغابات، وشركة "دريم فيلاج"، بالإضافة إلى شركة الدار البيضاء للتهيئة، التي ستتولى تنفيذ المشروع والإشراف عليه.
وتبلغ الكلفة الإجمالية لهذا المشروع الطموح حوالي 20 مليون درهم، مع تحديد مدة إنجازه في أربعة أشهر فقط، وهو ما يعكس جدية الأطراف الموقعة وعزمها على تجاوز كل العراقيل السابقة.
المشروع الجديد لا يقتصر فقط على إعادة تأهيل الفضاءات الخاصة بالحيوانات، بل يمتد ليشمل تجهيز البنية التحتية وتعزيز إجراءات الأمن وتطوير المساحات الخضراء المحيطة، مما سيسهم في خلق بيئة ملائمة للحيوانات وتحسين تجربة الزوار على حد سواء.
وأكد كريم الكلايبي، النائب الأول لرئيس مقاطعة عين السبع ورئيس لجنة الشؤون الاجتماعية والأسرة بمجلس عمالة الدار البيضاء، حسب ما توصلت به "الجريدة 24"، أن هذه الاتفاقية تمثل دفعة قوية لمشروع كان يعاني من تأخيرات ملحوظة، مشدداً على أن هذا التعاون سيعزز من مكانة الحديقة كوجهة ترفيهية وتعليمية فريدة، ويعزز الوعي البيئي بين المواطنين.
من جهته، أوضح أحمد بريجة، رئيس لجنة المرافق العمومية بالدار البيضاء، أن المصادقة على هذه الاتفاقية جاءت بعد نقاشات معمقة استغرقت أكثر من أربع ساعات خلال اجتماع اللجنة الأخير، بحضور ممثلين عن الجهات المعنية، من بينهم الوكالة الوطنية للمياه والغابات وشركة "دريم فيلاج"، التي فازت بصفقة تسيير الحديقة، وهي شركة مغربية متخصصة في إدارة الفضاءات العمومية.
وتحمل هذه الاتفاقية بنوداً صارمة لضمان الشفافية وحسن تدبير المشروع، من بينها إلزام شركة الدار البيضاء للتهيئة بتقديم تقارير دورية حول تطور الأشغال وتدبير الميزانية، مع التأكيد على استرجاع أي فائض مالي لجماعة الدار البيضاء، أو البحث عن تمويل إضافي في حال وجود عجز.
كما تنص الاتفاقية على إمكانية فسخها في حال عدم احترام أي طرف لالتزاماته، مع وضع آليات للتحكيم وحل النزاعات بطريقة ودية قبل اللجوء إلى القضاء.
تاريخياً، كانت حديقة عين السبع أكثر من مجرد فضاء لعرض الحيوانات؛ لقد شكلت ذاكرة جماعية للمدينة ورمزاً للتنوع البيئي والثقافي. تأسست منذ أكثر من 80 عاماً، واحتضنت مئات الأنواع من الحيوانات والنباتات، مما جعلها مرجعاً علمياً وتربوياً للأطفال والشباب.
واليوم، وبعد مرور أكثر من عقد على وضع حجر الأساس لمشروع تأهيلها الجديد أمام أنظار الملك محمد السادس في 2014، تعود الحديقة إلى الواجهة مع وعود بتحقيق نقلة نوعية في بنيتها وخدماتها.
وتطمح الحديقة الجديدة لأن تكون نسخة عصرية تضاهي حدائق الحيوانات العالمية، مع التركيز على البعد البيئي والتربوي، حيث ستضم أكثر من 300 حيوان ينتمون لـ75 نوعاً مختلفاً، موزعين في فضاءات تحاكي بيئاتهم الطبيعية.
كما سيتضمن المشروع مسارات تعليمية، ومناطق ترفيهية للعائلات، ومرافق خدمية متطورة تضمن راحة الزوار.
رغم التحديات المالية واللوجستية التي واجهت المشروع في الماضي، يبقى الأمل قائماً بأن تعود حديقة عين السبع لتكون القلب الأخضر للدار البيضاء، ومقصداً للسياح والمهتمين بعالم الطبيعة والحياة البرية.
ومع هذه الاتفاقية الجديدة، يبدو أن المدينة قد وضعت أخيراً عجلة المشروع على السكة الصحيحة، لتبدأ رحلة جديدة نحو المستقبل، حيث يلتقي الماضي العريق بطموحات الحاضر وآفاق المستقبل.