برنامج التعليم الأولي بين الوعود الحكومية والتجارب الفاشلة.. من يتحمل المسؤولية؟

الكاتب : انس شريد

11 فبراير 2025 - 07:30
الخط :

في جلسة برلمانية حافلة بالنقاشات الحادة والتقييمات الدقيقة، أقر وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، محمد سعد برادة، بعدم قدرة وزارته على تنزيل استراتيجيات تطوير التعليم الأولي بشكل فعال على مدى عقدين من الزمن، محملاً المسؤولية للحكومات السابقة.

هذا الاعتراف، الذي جاء خلال مناقشة عرض المجلس الأعلى للحسابات بمجلس النواب، ألقى الضوء على تعثر طويل الأمد في قطاع يعتبر حجر الأساس لمستقبل الأجيال القادمة.

وأوضح برادة أن الانطلاقة الفعلية للبرنامج الوطني للتعليم الأولي لم تتم إلا بعد اللقاء الوطني بالصخيرات سنة 2018، الذي انعقد تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس، مما شكل نقطة تحول في طريقة التعامل مع هذا الورش الوطني.

وأكد أن الوزارة اعتمدت منذ ذلك الحين مقاربة جديدة قائمة على التنسيق مع الجمعيات الشريكة، بالإضافة إلى إبرام اتفاقيات شراكة مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، بهدف تسريع وتيرة التعميم وتحقيق الأهداف الاستراتيجية، لا سيما في المناطق القروية.

كما كشف الوزير أن خارطة الطريق 2022-2026 تضمنت التزامات واضحة لإعادة تأهيل التعليم الأولي غير المهيكل، مع التركيز على توسيع العرض العمومي المجاني ذي الجودة.

وأبرز أن نسبة بنيات التعليم الأولي غير المهيكل شهدت انخفاضاً ملحوظاً، إذ تراجعت من 63% سنة 2017/2018 إلى 15% فقط في 2023/2024، وهو ما يعكس تقدماً نسبياً في عملية التنظيم وإرساء معايير واضحة للجودة.

وأضاف أن الوزارة تعمل حالياً على استثمار التجارب الناجحة ببعض الأكاديميات، سعياً إلى تعميمها على باقي جهات المملكة.

أما فيما يخص التمويل، فقد شدد برادة على أن الاستثمار في التعليم الأولي هو أحد أفضل الاستثمارات التي يمكن للدولة أن تقوم بها، نظراً لانعكاساته الإيجابية طويلة الأمد على الفرد والمجتمع.

ولفت إلى أن الميزانية المرصودة لهذا القطاع شهدت قفزة نوعية، حيث ارتفعت من 1.36 مليار درهم سنة 2019 إلى ثلاثة مليارات درهم في 2025، مما يعكس التزام الحكومة بتوفير الموارد المالية اللازمة لدعم هذا الورش الحيوي.

في المقابل، لم تخلُ الجلسة من انتقادات لاذعة، حيث اعتبر النائب البرلماني عبد القادر الطاهر، عن الفريق الاشتراكي - المعارضة الاتحادية، أن الحكومة لم تفِ بعد بوعودها بشأن تعميم التعليم الأولي وتوفير بيئة تربوية ملائمة.

وأشار إلى أن رغم التحسن الملحوظ في تمدرس الأطفال وتوسيع البنية التحتية، إلا أن هناك إخفاقات كبيرة في دمج التعليم الأولي في التعليم الابتدائي، وتطوير المناهج البيداغوجية، وتكوين الأطر التربوية اللازمة.

وأضاف الطاهر أن 90% من أقسام التعليم الأولي لا تزال تُدار من طرف جمعيات، في ظل غياب الحد الأدنى من الشروط التربوية السليمة، مما ينذر بإعادة إنتاج نفس الأخطاء التي عرقلت تطور هذا القطاع لعقود.

وأكد أن غياب حكامة صارمة وفعالة لمراقبة الجودة قد يؤدي في النهاية إلى نتائج مخيبة للآمال، مما يستدعي إعادة النظر في النهج المتبع وتسريع الإصلاحات الميدانية لضمان تعليم أولي منصف وذي جودة عالية.

في ظل هذه المعطيات، يظل مستقبل التعليم الأولي رهيناً بقدرة الحكومة على تنفيذ وعودها، وإرساء نموذج تعليمي يستجيب لحاجيات الطفولة المغربية، بعيداً عن الإخفاقات السابقة التي كلفت الأجيال الناشئة فرصاً ثمينة للنمو والتطور في بيئة تعليمية سليمة.

آخر الأخبار