اختلالات تهز قطاع الأدوية بالمغرب.. هل تتجه الحكومة نحو إصلاح حقيقي؟

الكاتب : انس شريد

11 فبراير 2025 - 09:30
الخط :

عاد ملف صناعة الأدوية في المغرب إلى الواجهة بقوة، بعد أن ناقشت لجنة القطاعات الإنتاجية بمجلس النواب، اليوم الثلاثاء، التحديات العديدة التي تعترض هذا القطاع الحساس.

ورغم الجهود المبذولة، لا تزال الصناعة الصيدلانية تواجه مشكلات تتعلق بجودة الأدوية، ارتفاع الأسعار، وطول إجراءات التسجيل، ما دفع الفاعلين في المجال إلى دق ناقوس الخطر والمطالبة بإصلاحات عاجلة.

في الاجتماع، قدّم وزير التجارة والصناعة، رياض مزور، معطيات دقيقة حول واقع الصناعة الدوائية في البلاد، مشيراً إلى أن الإنتاج المحلي يغطي 53.8% من احتياجات السوق من حيث القيمة، ونحو 75% من حيث الوحدة.

وأكد أن المغرب واجه خلال السنة الماضية نقصًا في 30 نوعًا من الأدوية، إلا أن هذا العدد انخفض إلى 6 أدوية فقط بحلول عام 2025، وهو تحسن نسبي لكنه لا يخفي التحديات العميقة التي تواجه المنظومة.

إحدى أبرز الإشكالات التي تعيق تطور الصناعة الدوائية المغربية، وفق الوزير، تتعلق بتحديد أسعار الأدوية من قبل الجهات الوصية، وهو ما يجعل بعض المنتجين غير قادرين على الاستمرار عند ارتفاع تكاليف الإنتاج.

كما أشار إلى التعقيدات الإدارية، حيث يتطلب تسجيل دواء جديد ما بين سنة ونصف وسنتين، مع الحاجة إلى توفير كميات هائلة من الوثائق، ما يعرقل الابتكار والمنافسة.

في هذا الصدد، تعهد مزور بتبسيط إجراءات التسجيل، عبر إتاحة إمكانية تقديم الملفات إلكترونيًا، وتقليص المدة إلى ستة أشهر فقط.

وبلغة الأرقام، كشف الوزير أن قطاع صناعة الأدوية بالمغرب يحقق رقم معاملات يصل إلى 22 مليار درهم سنويًا، ويضم 56 مؤسسة صيدلانية صناعية، توفر 6500 منصب شغل.

كما يتميز بتصدير ما قيمته 1.6 مليار درهم من الأدوية نحو الأسواق الإفريقية والعربية والأوروبية، مع توفر إطار قانوني متقدم لضمان الجودة والسلامة في التصنيع، وفقا للمتحدث ذاته.

لكن رغم هذه الأرقام الواعدة، لا تزال هناك انتقادات واسعة حول جودة الأدوية المتداولة في السوق المحلية.

ووجه رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، رشيد حموني، انتقادات حادة للجهات الوصية سواء من ناحية جودة الأدوية أو أسعارها التي لا تتناسب مع القدرة الشرائية، مشيرًا إلى أن القانون يفرض إجراء اختبارات التكافؤ الحيوي للأدوية كل خمس سنوات، وهو ما لا يتم الالتزام به في العديد من الحالات.

كما دعا إلى اتخاذ تدابير صارمة لمنع دخول أدوية لا تستوفي المعايير الصحية، مؤكدًا أن صحة المواطنين ليست مجالًا للمضاربات.

إضافة إلى ذلك، كشف حموني عن وجود تلاعبات في القطاع، حيث تتوفر شركات متعددة الجنسيات على مكاتب بالمغرب تضم فقط خمسة موظفين، لكنها تحصل على تراخيص أدوية مصنعة محليًا، مما يضر بالصناعة الوطنية.

كما تساءل عن مدى التزام المؤسسات الصيدلانية الـ 56 بالإنتاج الفعلي، موضحًا أن بعضها يكتفي باستيراد الأدوية وإعادة تغليفها محليًا، في مخالفة واضحة للقوانين.

وسبق أن حذّر الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، مؤخرا؛ من الهوامش الربحية المبالغ فيها التي تحققها شركات استيراد الأدوية، والتي تصل أحيانًا إلى 300% بين السعر المصرح به لدى الجمارك والسعر النهائي للمستهلك.

هذا الوضع دفع الحكومة إلى إدراج إصلاح شامل ضمن أولوياتها، يهدف إلى ضبط السوق، تخفيف العبء عن المواطنين، ودعم الإنتاج المحلي لتعزيز السيادة الدوائية للمملكة.

وتشمل الإصلاحات التي تدرسها الحكومة، حسب ما كشف عنه لقجع خلال لقاء جمعه باتحاد مقاولات المغرب، تقليص الضرائب المفروضة على الأدوية، وإلزام المستوردين بالالتزام بهوامش أرباح لا تتجاوز 10% بعد خصم التكاليف.

كما سيتم العمل على تعزيز الصناعة الوطنية من خلال منح الأفضلية للمنتجين المحليين، وتشديد الرقابة لضمان احترام المعايير الصحية، وفقا للمتحدث ذاته.

ورغم التقدم الملحوظ في معالجة بعض الاختلالات، أكدت الحكومة أنها ستتريث قبل اتخاذ قرارات كبرى، في انتظار انعقاد مجلس إدارة الوكالة الوطنية للأدوية، التي ستتولى تنفيذ السياسة الدوائية الوطنية وضبط السوق.

ومع ذلك، يظل التساؤل مطروحًا: هل ستنجح هذه الإصلاحات في إنقاذ قطاع الأدوية من أزمته، أم أن لوبيات المصالح ستُعرقل أي تغيير حقيقي؟

آخر الأخبار