أزمة القطيع الوطني تُشعل الجدل.. هل بات إلغاء شعيرة الأضحية خيارا مطروحا؟

يتجدد النقاش هذا العام حول إمكانية إلغاء شعيرة ذبح أضحية عيد الأضحى، وسط ارتفاع حاد في أسعار الأضاحي واللحوم الحمراء، ومخاوف متزايدة بشأن قدرة القطيع الوطني على تلبية الطلب.
هذا الجدل الذي بدأ يأخذ أبعادًا اقتصادية واجتماعية عميقة، يغذّيه ارتفاع كلفة المعيشة وتراجع القدرة الشرائية، ما يدفع شريحة واسعة من المغاربة للتساؤل حول جدوى الإصرار على هذه الشعيرة في ظل الظروف الحالية.
في كواليس المشهد، تدور تكهنات حول ضغوط قد يمارسها لوبي الكسابة لمنع أي قرار قد يضر بمصالحهم الاقتصادية. ويرى البعض أن أي إجراء لتقييد سوق الأضاحي سيواجه بمعارضة قوية من هذه الفئة، التي تعتمد بشكل أساسي على العيد كمصدر رئيسي للدخل.
في المقابل، يجد المواطن العادي نفسه أمام معضلة التوفيق بين الالتزام بعادة مترسخة اجتماعيًا، وبين القدرة الفعلية على تحمل تكاليفها المتزايدة.
وسط غياب موقف حكومي واضح، تشير البيانات إلى أن الإنتاج الوطني من الماشية يواجه صعوبات كبرى نتيجة توالي سنوات الجفاف ونقص الموارد العلفية، ما أدى إلى انخفاض القطيع الوطني بنسبة 38% مقارنة بإحصائيات 2016.
هذا التراجع انعكس بشكل مباشر على أسعار اللحوم، حيث سجل السوق المحلي ارتفاعًا غير مسبوق في أثمنة الأضاحي، لتصبح بعيدة عن متناول الطبقات المتوسطة والفقيرة.
وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، أحمد البواري، أكد خلال الندوة الصحافية للناطق الرسمي باسم الحكومة اليوم الخميس، أن إلغاء عيد الأضحى ليس من اختصاص وزارته، لكنه أقر بأن انخفاض أعداد الماشية أثر بشكل كبير على إنتاج اللحوم، حيث تراجع عدد الذبائح من 230 ألف رأس إلى 140 ألفًا، مما اضطر الحكومة إلى تعزيز الاستيراد لتغطية العجز.
وأوضح أن الحكومة اتخذت إجراءات استثنائية في قانون المالية لسنة 2025، تضمنت تعليق رسوم الاستيراد والإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة، في محاولة لضبط الأسعار وتحقيق التوازن في السوق.
إلى حدود يوم أمس، أضاف ذات المتحدث، أنه تم استيراد 21,800 رأس من الأبقار، و124,000 رأس من الأغنام، و704 أطنان من اللحوم الحمراء.
ورغم هذه التدابير، لا تزال الأسعار مرتفعة، خاصة أن الفجوة بين أثمان البيع من المجازر وأسعار البيع بالتقسيط تعكس هوامش ربح كبيرة يستفيد منها الوسطاء والموزعون، ما يزيد من الضغط على المستهلك النهائي.
وكشف البراوي عن برنامج شامل لدعم قطاع الإنتاج الحيواني، يشمل تحسين التغذية الحيوانية عبر توفير 18 مليون قنطار من الأعلاف، والتأطير التقني لتعزيز إنتاجية الأغنام والماعز والأبقار، إضافة إلى برامج لدعم تربية المواشي في المناطق الهشة، مع التركيز على الحفاظ على إناث القطيع لإعادة تكوينه على المدى الطويل.
كما تم الإعلان، حسب ذات المتحدث، عن مبادرة تستهدف الشباب القروي لدعم مشاريعهم في مجال تربية المواشي، بهدف خلق فرص اقتصادية جديدة في هذا القطاع الحيوي.
على أرض الواقع، يعاني المربون من ارتفاع تكلفة الإنتاج، حيث أكد أحد المربين بضواحي الدار البيضاء، في حديثه للجريدة 24، أن كلفة العلف اليومي للعجول تصل إلى 60 درهمًا، ما يجعل الاستمرار في تربية المواشي أمرًا مرهقًا اقتصاديًا.
مربٍ آخر أشار إلى أن أسعار البيع الحالية لا تغطي حتى المصاريف التي تم إنفاقها طوال الأشهر الماضية، ما يدفع بعض المربين إلى التخلي عن نشاطهم كليًا.
وسط هذه الأزمة، تبقى التساقطات المطرية الأمل الوحيد لتحسين وضعية الفلاحين وإعادة التوازن إلى سوق الأضاحي.
ومع اقتراب موعد عيد الأضحى، يترقب المغاربة أي مستجدات قد تصدر عن الحكومة، في وقت تتزايد فيه التساؤلات حول ما إذا كان استمرار تقاليد العيد بهذه الكلفة الاقتصادية لا يزال ممكنًا، أم أن الضرورة ستفرض مراجعة جديدة لهذه العادة في ظل الأوضاع الراهنة.