مدونة الأسرة بين المطرقة والسندان.. شد وجذب في أروقة السياسة

الكاتب : انس شريد

21 فبراير 2025 - 08:30
الخط :

تصاعدت وتيرة النقاش حول التعديلات المقترحة لتغيير مدونة الأسرة في المغرب، مما أطلق موجة من الجدل المتباين بين مختلف فئات المجتمع.

هذا الجدل يعكس انقسامًا واضحًا بين من يرون في التعديلات خطوة نحو التقدم والمساواة، وبين من يخشون أن تؤدي إلى إضعاف التقاليد والقيم الأسرية التي تشكل جوهر المجتمع المغربي.

في قلب هذا النقاش، تبرز تحديات معقدة تجمع بين دعاة التحديث والإنصاف والمدافعين عن القيم التقليدية. التعديلات المقترحة تأتي ضمن رؤية أوسع لإصلاح النظام القانوني والاجتماعي في المملكة، وهو ما يدفع البعض إلى الترحيب بها باعتبارها تعزز حقوق الأفراد وتواكب التحولات المجتمعية، بينما يعتبرها آخرون تهديدًا لتماسك الأسرة المغربية ونظامها القيمي.

وكشف عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، خلال ندوة علمية نظمها حزب التقدم والاشتراكية حول مشروع قانون المسطرة الجنائية عن عمق الخلافات التي يواجهها خلال مناقشة مشاريع قوانين ذات طابع حساس مثل مدونة الأسرة والقانون الجنائي.

وأوضح الوزير أنه يعاني من مقاومة قوية حتى داخل الحكومة، حيث يتواجد تيار محافظ يسعى للحفاظ على الوضع القائم، مقابل تيار حداثي يطمح إلى تغييرات جذرية.

وأشار وهبي إلى أن النقاش حول المدونة يشهد تذبذبًا مستمرًا، فهي تتقدم خطوة إلى الأمام ثم تعود خطوتين إلى الوراء، مما يعكس مدى حساسية الموضوع وتعقيداته.

ورغم ذلك، أكد الوزير أن الحوار مستمر، وهو ما يدل على أن المسألة ليست محسومة بعد، بل تخضع لموازين القوى السياسية والاجتماعية داخل البلاد.

في كلمته، شدد وزير العدل على أن التشريع ليس عملية فردية يقوم بها وزير أو جهة واحدة، بل هو نتاج تفاعل بين مختلف الفاعلين السياسيين والمؤسساتي، مما يجعل من الصعب تمرير قوانين تلبي طموحات طرف دون مساومة أو تعديل.

وأوضح وهبي أن التشريع يعكس موازين القوى داخل المجتمع، حيث يشكل نقطة تقاطع بين المحافظة والتحديث، وبين الاستمرار في النهج التقليدي أو تبني إصلاحات أكثر جرأة.

وأقر الوزير بأن التشريع هو ساحة للصراع والتفاوض، وأحيانًا للانتصار، لكنه في أغلب الأحيان مجال للمساومة، حيث يتم تمرير بعض البنود مقابل التنازل عن أخرى.

هذا التفاعل يعكس طبيعة النقاش القانوني والسياسي في المغرب، حيث تسعى الأطراف المختلفة إلى تحقيق أكبر قدر من المكاسب دون التفريط في جوهر توجهاتها.

مدونة الأسرة، وفقًا لوهبي، تعتبر من أكثر المواضيع المثيرة للنقاش في الظرفية الراهنة، إذ أنها تمثل الحد الفاصل بين الحداثة والتقاليد.

هذه التعديلات لا تزال محل شد وجذب بين القوى المؤيدة للإصلاحات والقوى المحافظة التي تسعى إلى الحفاظ على التوازن الاجتماعي كما هو.

وأمام هذا الواقع، يبقى التساؤل مفتوحًا حول ما إذا كانت هذه التعديلات ستجد طريقها إلى التنفيذ وفق رؤية توافقية، أم ستظل رهينة الجدل والصراع السياسي المستمر.

الوزير أوضح أيضًا أن حتى داخل الحكومة، هناك صراع بين تيار حداثي يسعى للتغيير وتيار محافظ يتمسك بالثوابت، وهو ما يخلق حالة من التوتر في عملية صنع القرار.

هذا الانقسام لا يقتصر على الحكومة فقط، بل يمتد إلى المعارضة التي تضم بدورها تيارات متباينة الرؤى، مما يعكس مدى تعقيد المشهد السياسي والتشريعي في المغرب.

ومع استمرار النقاش حول هذه التعديلات، يظل مصير مدونة الأسرة معلقًا بين رؤى متضادة، وكل طرف يحاول فرض وجهة نظره وفق ما يراه الأصلح لمستقبل المجتمع المغربي.

هذا الجدل المستمر يؤكد أن الإصلاح القانوني في المملكة ليس مجرد عملية تقنية، بل هو انعكاس لتحولات اجتماعية وثقافية عميقة لا تزال قيد التشكل.

آخر الأخبار