إلغاء شعيرة العيد يزلزل الأسواق.. أسعار الأغنام تنهار واللحوم في طريقها للانخفاض

في خطوة استثنائية تعكس بُعد النظر والحرص على مصلحة المواطنين، جاء القرار الملكي القاضي بالإحجام عن شعيرة النحر خلال عيد الأضحى المقبل ليحدث صدى واسعًا في الأوساط المغربية.
القرار الذي حمل في طياته بُعدًا إنسانيًا واقتصاديًا، كان بمثابة طوق نجاة لفئات واسعة من المواطنين الذين أثقلهم الغلاء المستمر، لكنه في المقابل شكل ضربة موجعة لمربي الماشية الذين يعوّلون على هذه المناسبة السنوية لتصريف إنتاجهم وتعويض خسائرهم.
وشهدت الأسواق المغربية تراجعًا غير مسبوق في أسعار الأغنام عقب الإعلان، حيث أظهرت مقاطع فيديو تداولها المواطنون عبر وسائل التواصل الاجتماعي انخفاضًا حادًا في الأثمان وصل إلى 50%، في بعض الحالات.
فمثلاً، الخروف الذي كان يُباع بـ4000 درهم، تراجع سعره ليصل إلى أقل من 2000 درهما.
كما انعكس القرار على أسعار الأعلاف، حيث انخفض سعر "بالة" التبن من 75 درهمًا إلى 40 درهمًا في بعض الأسواق، وهو مؤشر واضح على تراجع الطلب على الماشية.
وفي الوقت الذي وجد فيه المواطن البسيط متنفسًا ماليًا بعدم الاضطرار إلى شراء الأضحية هذا العام، يرى مربو الماشية أن القرار جاء ليزيد من معاناتهم في ظل أزمة الجفاف وارتفاع تكاليف الإنتاج.
هؤلاء المربون كانوا يراهنون على عيد الأضحى لإنعاش تجارتهم بعد مواسم صعبة، لكن المفاجأة غير المتوقعة قلبت موازين السوق، وأدخلتهم في دوامة من التحديات.
وبحسب بعض المهنيين، فإن تراجع أسعار الأغنام قد يمتد ليؤثر على سوق اللحوم الحمراء، حيث من المتوقع انخفاض أسعار لحوم الأغنام والأبقار في الأيام القادمة.
ورغم أن هذا قد يكون خبرًا سارًا للمستهلكين، إلا أن الفلاحين الصغار يرونه تهديدًا لاستدامة نشاطهم، حيث سيؤدي استمرار الخسائر إلى عزوف العديد منهم عن تربية الماشية، مما قد ينعكس مستقبلاً على توازن العرض والطلب.
فجلالة الملك، بصفته أميرًا للمؤمنين، حرص على تأكيد رمزية الأضحية وأهميتها في الدين الإسلامي، مشيرًا إلى أنه سيتولى شخصيًا ذبح الأضحية نيابة عن شعبه، مقتديًا بسنة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عندما قال: "هذا عن نفسي، وهذا عن أمتي". هذا الإعلان حمل رسالة قوية مفادها أن التحديات التي تواجهها البلاد تتطلب قرارات جريئة تراعي المصلحة العامة قبل أي اعتبار آخر.
وأضاف الملك في رسالته التي تلاها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، إن “حرصنا على تمكينكم من الوفاء بهذه الشعيرة الدينية في أحسن الظروف، يواكبه واجب استحضارنا لما يواجه بلادنا من تحديات مناخية واقتصادية، أدت إلى تسجيل تراجع كبير في أعداد الماشية، ولهذه الغاية، وأخذا بعين الاعتبار أن عيد الأضحى هو سنة مؤكدة مع الاستطاعة، فإن القيام بها في هذه الظروف الصعبة سيلحق ضررا محققا بفئات كبيرة من أبناء شعبنا، لاسيما ذوي الدخل المحدود”.
أحد الجزارين ومربي الماشية في الدار البيضاء عبّر في حديثه للجريدة 24 عن هذا الشعور المتضارب قائلاً إن القرار منصفٌ للمواطن البسيط الذي يعاني من ارتفاع الأسعار، لكنه في المقابل يشكل ضربة موجعة للمربين الذين يعانون من تبعات الجفاف وتكاليف العلف الباهظة.
وأكد أن هذه الفئة تحتاج إلى دعم حكومي عاجل حتى لا تجد نفسها في دوامة الخسائر التي قد تدفع العديد منهم إلى التخلي عن نشاطهم تمامًا.
تصريحات الكساب في حديثه للجريدة 24، لم تخلُ من الإشادة بالحكمة الملكية، لكنها في الوقت ذاته حملت نداء استغاثة موجهًا للحكومة بضرورة الالتفات إليهم ودعمهم في هذه المرحلة الحرجة.
وطالب ذات المتحدث، بأن يشمل الدعم الفلاحين الصغار بدل أن يتركز على الشركات الكبرى والمستوردين الذين يهيمنون على القطاع، مشيرين إلى أن استمرار تجاهل هذه الفئة قد يؤدي إلى انهيار سلسلة الإنتاج المحلي للحوم الحمراء، وهو ما سيجعل الأسعار ترتفع أكثر في المستقبل.
في ظل هذه التطورات، يترقب الجميع الخطوات المقبلة للحكومة، خصوصًا فيما يتعلق بإجراءات الدعم الممكنة للفلاحين الصغار.
وبينما استفاد المواطنون من قرار يخفف عنهم عبئًا ماليًا كبيرًا، يعيش مربو الماشية حالة من القلق والانتظار، في انتظار حلول تخفف من وقع الأزمة عليهم.