أزمة الميثادون تهدد تعافي آلاف المدمنين في المغرب

تعيش مراكز علاج الإدمان في المغرب أزمة غير مسبوقة بسبب نقص حاد في دواء الميثادون، وهو العلاج الأساسي المعتمد لمساعدة المدمنين على المواد الأفيونية في عملية التعافي.
مع انتشار أخبار نفاد الميثادون، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بتدوينات غاضبة تحذر من تداعيات هذا النقص، حيث عبر المرضى أنفسهم وأقاربهم والفاعلون في مجال الصحة عن استيائهم من تأخر السلطات في إيجاد حل لهذه الأزمة.
هذا الوضع أثار موجة من القلق والغضب، سواء داخل الأوساط الصحية أو بين المرضى أنفسهم، مما دفع منظمات المجتمع المدني إلى دق ناقوس الخطر، محذرةً من كارثة إنسانية واجتماعية تلوح في الأفق.
وأطلقت هذه الهيئات، التي تشمل الائتلاف العالمي للاستعداد للعلاج في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وجمعية حسنونة، وجمعية محاربة السيدا، والجمعية الوطنية للتقليص من مخاطر المخدرات، نداءً عاجلًا لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية، محذرةً من التداعيات الكارثية لنفاد هذا الدواء من المراكز الصحية.
في بيان شديد اللهجة، شددت المنظمات على أن غياب الميثادون لا يهدد فقط بعودة آلاف المدمنين إلى تعاطي المخدرات، بل يؤدي أيضًا إلى زيادة حالات الانسحاب القاسية، وتفاقم الأوضاع الاجتماعية والصحية للمرضى، وتقويض جهود الإدماج المهني والاجتماعي. ومع تراجع توافر هذا العلاج، تتقلص أيضًا جهود التوعية والوقاية، مما يجعل الوضع أكثر خطورة.
ورغم أن وزارة الصحة والحماية الاجتماعية اتخذت تدابير مؤقتة، مثل تقليص جرعات الدواء بغرض إطالة أمد المخزون المتبقي، فإن المنظمات ترى أن هذه الإجراءات ليست سوى حلول ترقيعية قد تؤدي إلى نتائج عكسية، إذ يمكن أن تزيد من معاناة المرضى وتُضعف الثقة في البرامج العلاجية القائمة.
أمام هذا الوضع الحرج، دعت الجمعيات الحكومة إلى التحرك العاجل لضمان توافر الميثادون بشكل مستدام، واحترام حقوق المرضى بعدم تعديل جرعاتهم دون موافقتهم، فضلاً عن البحث عن بدائل علاجية آمنة، وتحسين آليات إدارة المخزون لمنع تكرار الأزمة في المستقبل. كما شددت على ضرورة إشراك المجتمع المدني في اتخاذ القرارات الصحية المتعلقة بالإدمان، لضمان نجاعة الحلول المقترحة واستجابتها لاحتياجات الفئات المتضررة.
وفي تطور لافت، دخل البرلمان على الخط، حيث وجه النائب رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، سؤالًا كتابيًا إلى وزير الصحة، مستفسرًا عن استراتيجية الوزارة في التعامل مع هذه الأزمة. ولفت حموني إلى أن قرار تقليص الجرعات اتُّخذ دون استشارة الفاعلين المدنيين، مما أثار استياءً واسعًا بين الجمعيات المعنية.
وأكد النائب البرلماني أن أي تعديل في الجرعات يجب أن يكون وفق بروتوكولات علاجية علمية، على غرار توصيات منظمة الصحة العالمية، محذرًا من أن الانقطاع المفاجئ أو التقليص العشوائي للعلاج قد يؤدي إلى ارتفاع معدلات الانتكاس، ما يُضعف جهود مكافحة الإدمان.
كما أشار إلى أن هذه الأزمة قد تُقوض البرنامج الوطني لمحاربة السيدا، الذي يهدف إلى القضاء على المرض بحلول عام 2030، نظرًا لارتباط بعض المرضى المصابين بفيروس نقص المناعة البشري ببرامج علاج الإدمان.
وأمام هذا التحدي، قدمت الجمعيات والفاعلون المدنيون حزمة مقترحات لمواجهة الأزمة، من بينها إعادة ترشيد استخدام المخزون الحالي، وتعزيز التعاون الدولي لضمان توافر الدواء، وعدم تغيير الجرعات دون موافقة المرضى، والانفتاح على بدائل علاجية جديدة، فضلًا عن إشراك المجتمع المدني في القرارات المتعلقة بإدارة هذه الأزمة الصحية.
تأسيساً على كل ذلك، تساءل النائب البرلماني حول التدابير التي سوف تتخذونها على وجه الاستعجال وبالفعالية المطلوبة من أجل توفير مخزون دواء الميثادون وعقلنة استعماله وإشراك المجتمع المدني النشيط بمجال معالجة الإدمان في القرارات المتعلقة بشأن ذلك؟
رغم كل هذه الجهود، لا يزال آلاف المرضى يعيشون في حالة من القلق والخوف، متسائلين عن مصير علاجهم ومستقبلهم.
وبينما تتجه الأنظار إلى وزارة الصحة لمعرفة خطتها للخروج من الأزمة، يبقى المرضى وعائلاتهم في مواجهة أزمة قد تعصف بسنوات من العلاج والتأهيل، في انتظار حل يُعيد لهم الأمل في حياة طبيعية.