الرقم الأخضر تحت مجهر البرلمان.. هل كبح جشع المضاربين أم مجرد حبر على ورق؟

تشهد الأسواق المغربية ارتفاعًا حادًا في أسعار المواد الغذائية مع اقتراب شهر رمضان، في ظاهرة تتكرر سنويًا لكنها تأخذ هذا العام أبعادًا أكثر حدة في ظل أزمة اقتصادية عالمية وانعكاساتها المحلية.
ويجد المواطن المغربي نفسه أمام تحدٍّ صعب لتدبير نفقاته اليومية وسط تصاعد الأسعار، بينما تتفاوت التفسيرات بين العوامل الخارجية وسلوكيات المضاربة في الأسواق المحلية.
الحكومة المغربية تعزو هذا الارتفاع إلى عوامل متعددة، منها التضخم العالمي وارتفاع تكاليف الإنتاج، فضلًا عن التغيرات المناخية التي أثرت على المحاصيل الزراعية، ما أدى إلى انخفاض العرض وزيادة الطلب.
ورغم أن هذه التبريرات قد تبدو منطقية من الناحية الاقتصادية، إلا أن المواطن المغربي يواجه واقعًا مختلفًا عند نزوله إلى الأسواق، حيث يشهد تحكمًا واضحًا من قبل المضاربين والوسطاء، ما يساهم في تفاقم الأسعار بطريقة تفوق التأثيرات الاقتصادية العالمية.
في ظل هذا الوضع، تعالت الأصوات المطالبة بتدخل حكومي حاسم لضبط الأسعار ووضع حدٍّ لجشع المضاربين الذين يستغلون هذه الفترة من السنة لتحقيق مكاسب ضخمة على حساب المستهلك البسيط.
إلا أن التدخلات الحكومية ظلت محدودة، مقتصرة على تخصيص أرقام هاتفية للتبليغ عن الاختلالات في الأسعار، وهو ما أثار جدلًا واسعًا حول مدى فعالية هذه الآلية في غياب سياسات صارمة لتحديد سقف للأسعار أو فرض رقابة فعلية على الأسواق.
على الجانب الآخر، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي حراكًا متزايدًا من قبل المواطنين الذين أطلقوا حملات مقاطعة لبعض المنتجات مرتفعة الثمن، في محاولة للضغط على التجار لتخفيض الأسعار.
هذه الدعوات، رغم عدم تنظيمها بشكل رسمي، تعكس حالة من الاحتقان الشعبي تجاه الغلاء المستمر.
لكن وسط هذه الأزمة، برزت مبادرات فردية من بعض التجار الذين قرروا تحدي الموجة العامة وبيع المنتجات بأسعار معقولة، بعيدًا عن المضاربة.
هذه الخطوات لاقت استحسانًا واسعًا بين المواطنين، حيث اعتبرها البعض ردًّا عمليًا على الفوضى الاقتصادية التي تعم الأسواق، وأظهرت أن هناك تجارًا لا يزالون يراعون القدرة الشرائية للمواطن البسيط.
ومنذ سنوات، خصصت وزارة الداخلية الرقم الأخضر 5757 ليكون أداة بيد المواطنين للإبلاغ عن أي تجاوزات أو اختلالات في الأسواق، في خطوة بدت وكأنها وسيلة لضبط الأسعار وحماية المستهلك.
لكن، ومع مرور الوقت، تزايدت التساؤلات حول فعالية هذا الإجراء، إذ يرى مختصين في حماية المستهلك أن المشكلة لا تكمن فقط في ضعف الإقبال على التبليغ، بل أيضًا في الفوضى العارمة التي تعيشها الأسواق المغربية، حيث تغيب آليات الرقابة الصارمة، ما يجعل الأسواق أشبه بغابة يحكمها قانون العرض والطلب دون ضوابط حقيقية.
فهل الرقم الأخضر مجرد ديكور إداري بلا تأثير يُذكر، أم أن هناك أملًا في جعله أداة فعالة لمحاربة الغلاء والمضاربة؟
وفي هذا السياق، وجهت البرلمانية فاطمة التامني عن فيدرالية اليسار الديمقراطي سؤالًا كتابيًا إلى وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، مفاده أن اعتماد الوزارة على الرقم الأخضر (5757) للتبليغ عن الأسعار، تطرح عدة تساؤلات حول الفعالية في غياب تسقيف رسمي للأسعار، خاصة في ظل التفاوت الكبير بين المناطق.
وقالت التامني إنه وبينما يمكن تبرير التدخل لتحديد أسعار اللحوم في حال دعم الدولة لمستوردي الأغنام، فإن غياب أي سقف للأسعار يجعل من آلية التبليغ مجرد وسيلة لجمع البيانات دون تأثير فعلي على السوق.
وأضافت أن التفاوت الواضح في أسعار السلع الأساسية، مثل الأسماك والخضر والفواكه بين مختلف المدن والمناطق، يطرح تساؤلات حول جدوى التبليغ في ظل غياب آليات واضحة لضبط الأسعار.
واعتبرت البرلمانية أن الارتفاع الملحوظ في الأسعار يستدعي تدخلاً حقيقياً من قبل السلطات عبر آليات رقابية فعالة وعقوبات صارمة ضد المخالفين. فتسقيف الأسعار، أو على الأقل نشر لوائح مرجعية للأسعار كما حدث خلال تجربة المقاطعة السابقة، قد يكون حلاً عملياً لتحقيق الشفافية والحد من الاستغلال.
وأبرز ذات السؤال أن مبدأ حرية السوق لا يعني ترك الأسعار دون رقابة، خاصة عندما تقدم الدولة دعماً مباشراً للمستوردين، حيث يصبح التدخل الحكومي لضمان حماية المستهلكين والحفاظ على قدرتهم الشرائية واجباً وليس خياراً.
ودعت التامني وزير الداخلية إلى توضيح التدابير الفعلية التي تعتزم الوزارة اتخاذها لمراقبة الأسعار وضبط الأسواق، خصوصاً في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد.