بعد المصالحة الضريبية.. هل يعود "النوار" ليحكم سوق العقارات؟

عادت المعاملات النقدية غير المصرح بها، أو ما يُعرف بـ"النوار"، إلى الواجهة في سوق العقارات بالمغرب، بعد انتهاء فترة المصالحة الضريبية التي أأطلقتها وزارة المالية.
ورغم الإجراءات الرقابية المشددة، لا يزال بعض المنعشين العقاريين يبتكرون طرقًا جديدة للالتفاف على القوانين الضريبية، مما يطرح تساؤلات حول فعالية منظومة المراقبة وقدرة الدولة على ضبط هذا النزيف المالي المستمر.
أصبح من الشائع أن يُطالب المشترون بتوقيع عقود بيع ثانوية، إلى جانب العقود الرسمية المصرح بها لدى مصالح الضرائب، وذلك بهدف تمرير مبالغ إضافية غير مسجلة رسميًا.
هذه الظاهرة لم تعد تقتصر على العقارات الفاخرة فقط، بل امتدت إلى مشاريع السكن الاقتصادي المدعوم، وهو ما يتناقض مع الغاية الأساسية من هذه المشاريع التي يُفترض أن تكون في متناول ذوي الدخل المحدود.
وتكبد هذه الممارسات غير المشروعة خزينة الدولة خسائر مالية هائلة، حيث تفقد مداخيل مهمة من الضريبة على الأرباح العقارية.
ورغم تفعيل آليات الرقابة الرقمية واعتماد أنظمة تحليل المخاطر، إلا أن الظاهرة ما زالت مستمرة، مما يطرح تساؤلات حول مدى نجاعة التدابير المتخذة في الحد من التهرب الضريبي داخل هذا القطاع الحيوي.
في هذا السياق، دخل البرلمان على الخط، حيث وجه إدريس السنتيسي، رئيس الفريق الحركي، سؤالًا كتابيًا إلى وزارة الاقتصاد والمالية حول مدى نجاعة المراقبة الضريبية في هذا المجال.
وأشار إلى أن هذه الظاهرة لا تساهم فقط في حرمان الدولة من مداخيل ضريبية مهمة، بل تعيق أيضًا تحقيق العدالة الاجتماعية في سوق العقارات، حيث يجد بعض المواطنين أنفسهم مضطرين لدفع مبالغ إضافية غير قانونية للحصول على سكن، في حين يعجز آخرون عن ذلك، مما يزيد من الفجوة الاجتماعية.
وتساءل النائب البرلماني عن أوجه المراقبة المعتمدة وأوجه التحسيس الممكنة بخصوص هذا الإجراء غير المشروع؟
ويحذر خبراء الاقتصاد من التداعيات السلبية لهذه الظاهرة على الاقتصاد الوطني، إذ تؤدي إلى تشويه المنافسة في السوق العقارية، وترفع من أسعار العقارات بشكل غير مبرر، ما يجعل تملك السكن حلمًا بعيد المنال لكثير من الأسر، خاصة الشباب وأصحاب الدخل المحدود.
كما أن هذه الممارسات تؤثر سلبًا على بيئة الاستثمار، إذ تُضعف مناخ الثقة في القطاع العقاري وتجعله أقل جذبًا للمستثمرين المحليين والأجانب.
من جهتها، سبق أن أكدت وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح العلوي، أن الوزارة عملت منذ 2017 على تعزيز المراقبة من خلال تعميم نظام التصريح الرقمي، مما ساعد في تتبع التصاريح الضريبية والكشف عن التجاوزات.
كما تم التعاون مع الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية لاعتماد آليات أكثر تطورًا في تحليل البيانات وتحسين الرقابة على المعاملات العقارية.
ومع ذلك، سبق أن أشار تقرير سابق لمجلس المنافسة إلى أن السياسة الحكومية القائمة على تقديم إعفاءات وحوافز ضريبية للقطاع العقاري لم تحقق النتائج المرجوة.
وعلى الرغم من استفادة هذا القطاع من نحو 50 إجراءً ضريبيًا تحفيزيًا خلال العقود الثلاثة الماضية، إلا أن أسعار العقارات واصلت ارتفاعها بمعدلات سنوية تتراوح بين 10% و25%.
وبدلًا من أن تنعكس هذه الإعانات إيجابيًا على المواطنين، فقد عززت من أرباح الشركات العقارية، التي سجلت هوامش ربح مرتفعة للغاية مقارنة بدول أخرى في المنطقة.
أمام هذا الوضع، تتزايد المطالب بضرورة تشديد الرقابة على التعاملات العقارية، وتعزيز الشفافية في سوق العقارات، من خلال فرض التصريح الإجباري بكامل قيمة المعاملات العقارية، واعتماد وسائل دفع إلكترونية إلزامية للحد من استخدام النقد في الصفقات الكبرى.
كما أن تعزيز الوعي لدى المواطنين حول مخاطر هذه الممارسات قد يساعد في الحد من انتشارها، خاصة أن المستهلك النهائي غالبًا ما يكون الحلقة الأضعف في هذه الدائرة غير المشروعة.
ويبدو أن ملف "النوار" سيظل مطروحًا بقوة في الأجندة الحكومية خلال الفترة المقبلة، خاصة مع تنامي الضغوط البرلمانية والمجتمعية لإيجاد حلول جذرية لهذه الظاهرة، التي لا تهدد فقط المالية العامة، بل تمس أيضًا فرص المواطنين في امتلاك سكن لائق بأسعار عادلة.