البرلمان يفكك جدلية قانون المسطرة الجنائية الجديد

يشهد البرلمان نقاشًا حادًا حول مشروع قانون المسطرة الجنائية، الذي يُنظر إليه باعتباره خطوة أساسية في استكمال إصلاح منظومة العدالة، وفقًا لمقتضيات الدستور المغربي لسنة 2011 والتزامات البلاد الدولية.
وبينما تؤكد الأغلبية الحكومية أن القانون الجديد يعزز الحقوق والحريات الأساسية، ترى أطراف أخرى أنه ينبغي تحقيق توازن أكثر دقة بين الضمانات القانونية ومتطلبات مكافحة الجريمة.
علال العمراوي، رئيس الفريق الاستقلالي بمجلس النواب، أكد أن المشروع كان ينبغي أن يرى النور مع الإصلاح الدستوري لعام 2011، ليعكس روح الدستور ومنطوقه، مشددًا على أن الهدف منه تعزيز الحقوق والحريات الأساسية، وتكريس مكانة السلطة القضائية كركيزة أساسية للعدالة المستقلة، إضافة إلى ملاءمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب.
كما شدد على أن المقتضيات التشريعية ليست هدفًا في حد ذاتها، وإنما وسيلة للنهوض بمنظومة الحقوق والحريات الأساسية، مع مراعاة التوازن المطلوب لمكافحة الجريمة المنظمة وضمان الأمن والاستقرار.
من جانبه، أكد الشاوي بلعسال، منسق فرق الأغلبية ورئيس الفريق الدستوري الاجتماعي الديمقراطي، أن هذا القانون يأتي بعد مشاورات مكثفة شملت الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة، وتوصيات النموذج التنموي الجديد، الذي شدد على ضرورة وجود نصوص قانونية واضحة وآمنة تعزز استقرار المملكة.
وأوضح أن التطورات التكنولوجية وظهور الجرائم الحديثة تستدعي تحديث القانون ليواكب المستجدات، ويضمن تحقيق المحاكمة العادلة، وترشيد الاعتقال الاحتياطي، وتعزيز دور الضابطة القضائية في إطار رقابة صارمة من قبل السلطة القضائية.
بدوره، شدد محمد شوكي، رئيس الفريق النيابي للتجمع الوطني للأحرار، على أن البرلمان أمام "لحظة تاريخية" في مسار العدالة المغربية، معتبرًا أن مناقشة مشروع القانون رقم 03.23 المتعلق بالمسطرة الجنائية لن تكون مهمة يسيرة، بل تستوجب نقاشًا معمقًا لضمان تحقيق الأهداف المرجوة.
وأكد التزام الأغلبية البرلمانية بدعم المشروع، انطلاقًا من كونه يعكس الرؤية الملكية السامية لإصلاح العدالة، ويكرس حقوق الإنسان وفق الالتزامات الدولية للمغرب.
وأضاف أن القانون الجديد يسعى إلى تحقيق توازن دقيق بين حق الدولة في مكافحة الجريمة وضمان أمن المواطنين، وبين حماية الحقوق الأساسية للأفراد، في إطار رؤية استشرافية تتماشى مع التحولات المجتمعية والاقتصادية.
أما أحمد التويزي، رئيس الفريق النيابي لحزب الأصالة والمعاصرة، فقد أشاد بالجهود الكبيرة التي بذلها وزير العدل لإنجاز هذا المشروع، معتبرًا أن المستجدات التي تضمنها القانون، خاصة في ما يتعلق بتعريف السياسة الجنائية، تمثل نقلة نوعية في مكافحة الجريمة والوقاية منها.
كما لفت إلى أن تعزيز حقوق الدفاع يشكل إحدى الركائز الكبرى للمحاكمة العادلة، مشيرًا إلى التنصيص على آلية التسجيل السمعي البصري أثناء قراءة تصريحات المشتبه فيهم، وتعزيز حق المحتجزين في الاتصال بمحاميهم فور توقيفهم دون الحاجة إلى إذن مسبق من النيابة العامة، وهو ما يعتبر خطوة مهمة لضمان عدالة أكثر شفافية.
في سياق متصل، شدد التويزي على أن الاعتقال الاحتياطي يجب أن يظل تدبيرًا استثنائيًا، داعيًا إلى تقليص اللجوء إليه، والاعتماد على بدائل قانونية مثل المراقبة الإلكترونية، لضمان عدم المساس بحقوق الأفراد دون مبررات قانونية واضحة.
وأضاف أن المشروع يعزز الضمانات القانونية التي تحمي حقوق المواطنين وتكرس مبادئ العدالة الجنائية الحديثة.
وعاد علال العمراوي ليؤكد أن هذا المشروع يندرج ضمن التزام الحكومة باستكمال إصلاح منظومة العدالة، تحقيقًا لرؤية الملك محمد السادس في جعل "العدالة في خدمة المواطن".
كما شدد على ضرورة ضمان الحماية القانونية الفعلية للحقوق والحريات، وتعزيز الأمن القضائي، بما يرسخ ثقة المواطنين في النظام القضائي ويعزز دولة الحق والقانون.
وأوضح العمراوي أن المشروع يتضمن مستجدات كبرى، من بينها تحديث السجل العدلي، وإنشاء بنك وطني للبصمات الجينية، وتوحيد مكاتب الحجوزات كوسائل إثبات، بالإضافة إلى تقليص اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي وتحسين ظروف الاعتقال، لضمان تحقيق العدالة الجنائية في أفضل صورها.
في ظل هذا النقاش المحتدم، يتساءل العديد من المراقبين حول مدى قدرة الحكومة على تطبيق هذه الإصلاحات بشكل فعال، خاصة في ظل التحديات المرتبطة بترشيد الاعتقال الاحتياطي، وتعزيز وسائل التحقيق العادل، وضمان استقلالية القضاء.
وبينما تواصل الأغلبية التشريعية العمل على تحسين مضامين المشروع عبر التعديلات البرلمانية، يبقى الرهان الأكبر هو تحقيق التوازن بين حماية الحقوق الفردية وضمان الأمن العام في المغرب.