المعارضة تطالب بالتحقيق.. هل تحولت قفف المساعدات إلى سلاح انتخابي؟

في خضم الجدل السياسي المحتدم في المغرب، أثيرت قضية توزيع المساعدات الإنسانية من قبل مؤسسة "جود"، التي تُوصف بأنها الذراع الخيري لحزب التجمع الوطني للأحرار، الحزب الذي يقود الحكومة الحالية.
وانتشرت هذه القضية على نطاق واسع، حيث تداولت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي صورًا وفيديوهات توثق عمليات توزيع قفف المساعدات، وسط اتهامات باستغلال هذه المبادرات لأغراض انتخابية، وهو ما أثار موجة من الانتقادات في الأوساط السياسية والحقوقية.
ويتساءل العديد من المتابعين عن مدى احترام هذه الأنشطة للقوانين المنظمة للعمل الخيري في المغرب، خاصة القانون 18.18 المتعلق بتنظيم جمع التبرعات وتوزيع المساعدات، الذي ينص على معايير صارمة لضمان الشفافية والمصداقية في هذه العمليات.
إذ يُفترض أن تكون كل المساعدات موثقة، بمصادر تمويل واضحة، مع مراقبة الجهات المسؤولة عن التوزيع، غير أن ما يُنقل من ممارسات على الأرض يُظهر تجاوزات صارخة لهذه القوانين، حيث تم تسجيل حالات تم فيها استخدام وسائل عمومية، كالشاحنات التابعة للجماعات المحلية، في نقل هذه المساعدات، مما يُثير تساؤلات حول العلاقة بين العمل الإحساني والسلطة السياسية.
ودخل البرلمان على الخط، حيث وجّه النائب رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية، سؤالًا كتابيًا إلى وزارة الداخلية، مُطالبًا بتوضيحات حول هذه الممارسات التي اعتبرها "استغلالًا سياسيًا غير مشروع" للفقر والهشاشة.
وأكد في معرض سؤاله أن الحكومة، بدلًا من الانخراط في حلول حقيقية لمواجهة ارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية، تلجأ إلى هذه "الحملات الإحسانية" التي يُنظر إليها على أنها مجرد وسيلة للتأثير على الناخبين وتحضيرهم للانتخابات القادمة.
وتساءل رشيد حموني، حول التدابير التي تتخذها وزارة الداخلية، وتلك التي تعتزم اتخاذها، من أجل فرض التطبيق الحازم للقواعد والضوابط القانونية المتعلقة بتوزيع المساعدات الإنسانية، بصفة عامة، وتحديداً بالنسبة لمؤسسة جود، وممارساتها، ذات الارتباطات الحزبية والانتخابية الواضحة والمتداوَلَة على نطاق واسع لدى الرأي العام.
الجدل اشتدّ أكثر بعد انتشار صور لشاحنة تابعة لجماعة تيوغزة بإقليم سيدي إفني، وهي متوقفة أمام منزل الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس، حيث قيل إنها كانت محملة بمساعدات لجمعية "جود". هذه الصورة أثارت عاصفة من الانتقادات، حيث اعتبرها البعض دليلًا على التداخل غير المشروع بين العمل الحكومي والمصالح الحزبية.
وقد سارعت أيضا البرلمانية فاطمة التامني، عن حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي، إلى توجيه سؤال مماثل إلى وزير الداخلية، مطالبةً بتوضيحات حول استغلال موارد الدولة لأغراض انتخابية، وداعيةً إلى تدخل عاجل لوقف مثل هذه الممارسات التي تهدد نزاهة العملية الديمقراطية.
الوزير مصطفى بايتاس، الذي وجد نفسه في قلب العاصفة، لم يقدم إجابات مباشرة خلال الندوة الصحفية الأسبوعية للحكومة، مكتفيًا بالقول إن "القضايا ذات الطابع السياسي ستُناقش في الفضاءات المناسبة"، ما فُهم على نطاق واسع على أنه تهرّب من الإجابة عن تساؤلات الرأي العام.
ما يزيد من تعقيد الوضع هو أن هذه الممارسات تأتي في وقت تعيش فيه البلاد أوضاعًا اقتصادية صعبة، حيث تتزايد معاناة الطبقات الفقيرة والمتوسطة بسبب ارتفاع الأسعار. لذلك، يرى منتقدو هذه الحملات أنها ليست سوى استغلال لمعاناة المواطنين بدلًا من تقديم حلول حقيقية، مما يُعزز الإحساس بعدم الثقة في المؤسسات المنتخبة ويفتح المجال لمزيد من التشكيك في نزاهة العمليات الانتخابية.
وتبقى القضية مفتوحة على احتمالات عدة، فإما أن تتحرك السلطات المعنية لضبط الأمور وتطبيق القانون بصرامة، أو أن يستمر هذا الجدل ويتحول إلى ورقة ضغط سياسية قد تؤثر على المشهد الانتخابي المقبل.
وبينما تتصاعد الانتقادات، يبقى السؤال الأهم: هل العمل الإحساني يمكن أن يكون نزيهًا عندما يكون مرتبطًا بالسلطة، أم أنه سيظل دائمًا محط شبهات وتكهنات حول خلفياته الحقيقية؟